تنظيم قاعدة الجهاد العالمي في بطولة كأس العالم

تحت هذا العنوان، نشر في العدد الخامس من مجلة “المشتاقون للجنة” المقربة من “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، مقال، وقعه كاتبه باسم “عبادة بن الصامت”، يدعو فيه القاعدة إلى استهداف مباريات كأس العالم 2010 المزمع إجراؤها في حزيران (يونيو) المقبل. وخص الكاتب بدعوته استهداف منتخبات الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة. وخص مباراة الولايات المتحدة مع بريطانيا بالقول: “كم ستكون مباراة أميركا وبريطانيا جميلة وهي تنقل على الهواء مباشرة عندما يدوي صوت انفجار وتجد أعداد القتلى بالعشرات والمئات”. الكاتب أشار إلى أنه لا يمثل القاعدة بالقول: “همسة لجهاز (المخابرات المركزية الأميركية CIA) لا تلتفتوا لهذا المقال فالكاتب ليس هو الناطق باسم تنظيم القاعدة إنما هو فقط من أنصار المجاهدين”.

ورغم أن هذا المقال لم يصدر على شكل بيان من قبل “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، فإن المجلة، ومنذ أعداد خمسة سابقة، تظهر وكأنها مقربة جداً من التنظيم، وبالتالي فإن المخاوف التي أبدتها جنوب أفريقيا بزيادة الإجراءات مفهومة، ولكن تبدو الرسالة هدفها “التخويف” بشكل أساسي. لأن القاعدة وإن أبدت، جدلاً، اهتماماً بتنفيذ ضربة كهذه، فإنها لن تعلن عنها بهذا الشكل. ومن المؤكد أن التنظيم غير مهتم بالبحث عن زيادة نشاطاته في جنوب أفريقيا التي لا يزيد نسبة المسلمين فيها على 2.5%.

ولكن على المستوى التحليلي العام، وما خلف مثل هذه الرسالة التخويفية، تكمن معطيات واقعية على الأرض ترتبط بسلوك وتوجهات “القاعدة في المغرب الإسلامي”، ونزوعها للبروز كلاعب إقليمي في أفريقيا، بشكل يفسر مثل هذا المقال.

في العام 2007 نجح التنظيم في إلغاء رالي-داكار للسيارات، لأول مرة منذ ثلاثين عاما من تدشينه، وهو الأمر الذي ترافق مع نزوع توسعي ظهر لدى “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، خاصة وأنه في بداية العام ذاته انضوت “الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر” تحت لواء القاعدة، وتم تغيير اسم الجماعة إلى “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.

منذ ذلك الحين، برز النزوع التوسعي للتنظيم في دول الساحل وجنوب الصحراء، فتبنى عمليات في موريتانيا، وفي النيجر مؤخراً، وأشارت تقارير عدة عن معسكرات تدريب للتنظيم في مالي. والأهم أشارت تقارير أن قيادات سلفية-جهادية محلية من تلك البلدان تدربت في معسكرات تدريب سلفية-جهادية في الجزائر. وقد تبدى الأمر أيضاً في تعيين يحيى جوداي (أبو عمار) من قبل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود (عبد الملك دوركال)، أميراً لمنطقة الساحل وجنوب الصحراء، بدلاً من مختار بلمختار (خالد أبو العباس)، حيث تشير التقارير بأن الأول، وحسب نظرة عبد الودود أقدر على توسعة نشاطات التنظيم في المنطقة، عدا عن أن بلمختار رفض “مبايعة” الزعيم الجديد، ويقال إنه فتح خطا تفاوضيا مع السلطات الجزائرية ليستفيد من العفو الذي أعلنه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

ومهما يكن من أمر الصحراء وأفريقيا، فإن التيار السلفي-الجهادي، بات يعمد إلى نوع من “الأقلمة” لنشاطاته، تساوقاً مع استراتيجيته الجديدة الرامية إلى تأسيس ملاذات آمنة في مناطق مختلفة في العالم، ولذا بدأ الحديث عن “القاعدة في جنوب الجزيرة العربية”، “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، و”القاعدة في بلاد الشام”…الخ، وهو بالتالي ما يؤشر على أن القاعدة والسلفيين-الجهاديين ينتقلون بالمفهوم الاستراتيجي من مرحلة إلى أخرى، ليس فقط بمنطق التكيف مع الضغوط الأمنية بل أيضاً بمنطق رسم الاستراتيجيات المستقبلية.

ومثل هذه التحولات تشي بأن تنظيم القاعدة بات لاعباً دولياً وإقليميا أساسياً، والأهم أنه يستند إلى مجموعة من الشروط الاجتماعية-السياسية التي تعد من العوامل الأساسية التي تشي بالاستمرار، ولعل من أهمها: حالة البؤس لدى الأنظمة العربية التي باتت مصدراً رئيسياً لاستمرار القاعدة وتطورها.

Exit mobile version