المأزق الإسرائيلي يتعمّق في الغرب

الصديق أحمد جميل عزم، كان كتب مقالاً مهماً منذ أيام حول التحول لدى الشبان اليهود، خاصة في الغرب، تجاه إسرائيل، مشيراً إلى أن هذا يثير قلقاً لدى جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الغرب، وتحديداً في الولايات الأميركية، وقد أشار عزم في هذا الصدد إلى جماعة الضغط الجديدة في الولايات المتحدة “جي ستريت”، ذات الموقف المغاير لما درج عليه اللوبي المؤيد لإسرائيل.

هذه التحولات كلها تأتي في سياق تراجع ما يعرف بـ “الموقف الأخلاقي لإسرائيل في الغرب”، ومن الواضح أن حالة قطاع غزة تلعب دوراً أساسياً في مثل هذا التحول في الغرب. شخصياً وبحكم أنني أعيش في الغرب، وفي أوروبا تحديداً، فقد كنت شاهداً على تغطية الإعلام البريطاني تحديداً لحرب غزة 2008-2009، حيث كانت معظم مانشيتات الصحف الرئيسية، وحتى الشعبية في حالات عدة، تدين إسرائيل وما ارتكبته بحق المدنيين في القطاع.

وبغض النظر عن أن التغطيات الإعلامية ما تزال لا تلقى قبولاً لدى مناصري القضايا العربية-الإسلامية، إلا أن ذلك مفهوم في ظل الحديث عن تغطية صراعات ممتدة ومسلحة، لكن إضافة إلى ذلك، فإن التظاهرات المنددة بالحملة الإسرائيلية العسكرية آنذاك، شكلت أيضاً تحولاً أساسياً في بروز ما يعرف بـ “اللوبي العربي-الإسلامي”، لكن ما يهم في هذا السياق كان التحول في الرؤية “الغربية”، وهنا أقصد الغرب، كما يفهم في العالم العربي-الإسلامي، حيث إن مفهوم “الغرب” بات له معنى شبيه بمفهوم “الشرق” الذي تشكل لدى الغربيين خلال القرون السابقة، وذلك وفقاً لما نظّر له البرفسور إدوارد سعيد في كتابه “الاستشراق”.

والآن، يأتي الهجوم الإسرائيلي، فجر الاثنين، على “أسطول الحرية”، ليزيد من سوء موقف إسرائيل “الأخلاقي” في الغرب، فلا العملية ضد “إرهابيين”، أو “مسلحين”، أو “مخربين”، بل ضد “مدنيين محتجين”، وهو ما يحمل دلالات مهمة لدى رجل الشارع العادي في دول يعد فيها الإضراب، على سبيل المثال حقاً يكفله القانون.

إسرائيل ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، منذ نهاية الثمانينيات، باتت تستشعر بأنها بدأت تخسر أهميتها الاستراتيجية، لدى القوتين العظميين آنذاك، ما دفعها إلى البحث عن تحالفات في مناطق ذات أهمية جيوبولتيكية عالية كآسيا الوسطى، ودول إقليمية كالهند مثلاً، وذلك بغية الرفع من أهميتها الاستراتيجية مع حلفائها.

وأزعم أن إسرائيل باتت تخسر حالياً موقفها الأخلاقي في الغرب، سواء أمام الإعلام، أو في أوساط الناشطين السياسيين، والمنظمات غير الحكومية، وهو أمر ذو أهمية عالية لدى الرأي العام للشعوب الغربية، وهو مالم يقتصر فقط على مثل هؤلاء بل أيضاً انعكس سياسياً، حين “اعتذر” الرئيس الأميركي باراك أوباما عن عدم مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ أشهر، أو حين جعل حزب الأحرار الديمقراطيين البريطاني جزءاً من برنامجه للسياسة الخارجية، إذا ما وصل للسلطة، الضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن قطاع غزة، وهو الحزب الذي يشكل الائتلاف الحاكم مع حزب المحافظين حالياً في 10 داوننغ ستريت، وقد جعل الحزبان رفع الحصارعن غزة بنداً من بنود السياسة الخارجية في خطتهما الحكومية، وغيرها من الأمثلة التي تقع في إطار الجانب الرسمي، الذي لا يناقشه هذا المقال، بل هو ما يتعلق بالتأثير على مستوى القواعد الشعبية Grass Roots في الغرب.

أما الملاحظة الأخيرة، في هذا السياق، فترتبط بالحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية، التي تعبر عن أزمة إسرائيل السياسية والأخلاقية، تلك التي أشرنا إليها أعلاه، وقد كنا كتبنا مقالاً بهذا الخصوص، بعد الكشف عن اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي، حيث إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، وعبر سياساتها اليمينية ما تزال تعمق المأزق الإسرائيلي عالميا.

Exit mobile version