أعادت تفجيرات أوسيتيا الشمالية الانتحارية الخميس الماضي، والتي أودت بحياة 18 شخصاً وإصابة نحو 100 بجروح، منطقة القوقاز الشمالي إلى واجهة الأحداث، خاصة فيما يتعلق بـ “إمارة القوقاز الإسلامية”، والتي تعبر عن مظلة للحركات الإسلامية المسلحة في المنطقة، بعد أن انتقل نشاطها من الشيشان بعد حربين منذ منتصف التسعينيات إلى الجمهوريات المجاورة للشيشان.
زعيم “إمارة القوقاز الإسلامية” دوكو عمروف، قدم، الشهر الماضي، استقالته من زعامة “الإمارة”، ليعود بعد أيام ليتراجع عنها، وبالتالي يخرج مجموعة من القادة الميدانيين الذين كانوا يدعونه إلى الاستقالة على طاعته، بشكل أشر على خلاف بين “الجهاديين” الذين يريدون ربط القوقاز الشمالي بالجهاد العالمي، ويريدون الاستفادة من وجود عمروف وسمعته تمويلاً واستقطاباً، ومن هؤلاء قادة المجموعات المسلحة في الجمهوريات القوقازية المجاورة للشيشان، وبين تيار يمكن وصفه بـ “القومي”، يسعى إلى إعادة الصراع للشيشان، للاستفادة من الزخم الذي تلقاه القضية، ومن دون التوسع الإقليمي.
تفجيرات أوسيتيا، وقبلها داغستان، وانغوشيتيا، تدلل على قوة التيار “الجهادي”، وتوسيعه لعملياته، وما يثير للانتباه أن التيار تتزايد ارتباطاته بحركة الجهاد العالمي، خاصة على مستوى الإعلام أولاً، حيث يلاحظ تزايد اهتمامات المنتديات الجهادية بالقوقاز الشمالي وتخصيص الصفحات باللغتين الروسية والعربية لأخبار “إمارة القوقاز الإسلامية”، ومؤخراً صدر شريط مرئي، تداولته المنتديات الجهادية، بعنوان “القوقاز 50 عاما”، في إشارة إلى أن الصراع ضد روسيا سيمتد إلى 50 عاما، وباللغة العربية، بشكل يذكر بالأشرطة المرئية التي كانت تصدر مع اندلاع الحرب الشيشانية الثانية لغايات التعبئة والتجنيد في العالم العربي. وثانياً، برز تزايد الارتباطات بالحركة السلفية – الجهادية على مستوى الفتوى، حيث إن كلا من المنظر السلفي-الجهادي المعروف أبو محمد المقدسي، وأبو بصير الطرطوسي أبديا رأيهما في مسألة “عدم الالتزام ببيعة دوكو عمروف من قبل بعض القادة الميدانيين”.
المقدسي خلص إلى القول: “وما نعرفه عن الأمير أبي عثمان عمر دوكو؛ هو كل خير وما يزال القضاة الشرعيون في الإمارة يثنون على رجوعه لرأي العلماء ومشاورته واستفتائه لهم وفي عهده أعلنت إمارة القوقاز والغيت جميع مظاهر الجاهلية، والإخوة في القوقاز قد اجتمعوا عليه والتأم شملهم به ومضى الجهاد منذ مدة وهو تحت قيادته؛ وبحسب روايات الثقات من إخواننا المطلعين على أحوال المجاهدين في القوقاز لم تبدر من الأمير أبي عثمان مخالفة تبيح منازعته وخلعه والخروج عليه؛ فينبغي على من كان حريصا على سمعة الجهاد ومصلحته طاعته وإعانته على رص الصفوف وتسيير الجهاد وإقراره على منصبه وعدم المبادرة إلى مخالفته أو المطالبة بتغييره من دون مبرر شرعي يقره مجلس الشورى، أما أن يطالب بذلك آحاد المجاهدين أو بعضهم من دون مبرر شرعي معتبر؛ فهذا سيسقط هيبة الإمارة وسيجرّئ على منازعة الأمراء المرة تلو المرة، وسيعمل ذلك على شق صف المجاهدين وإدخال النـزاع بينهم وبث الوهن والفشل في صفوفهم”.
وأما الطرطوسي فقد زكى عمروف أيضاً، وقال: ” المجاهدون بقيادة الأمير دكو أماروف، هم الولاة الشرعيون للبلاد والعباد، فعلى الناس أن يدخلوا في طاعتهم وموالاتهم، وعلى أمراء الجهاد بالمقابل أن ينظروا في مصالح العباد ويُحسنوا رعايتها .. وأن يكونوا أقرب إلى الناس وأرحم بهم، وأغير على مصالحهم من العدو، وعملائه”.
هذا التوجه يذكر بالتحول في الحركة السلفية – الجهادية، وفقاً لتقسيم الباحث النرويجي “توماس هاجهامر”، في كتابه الجديد “الجهاد في السعودية”، حين يقسم بين “الجهاد الكلاسيكي”، والذي تمثل بأفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، ولاحقاً البوسنة ومن ثم الشيشان، حيث خرج الجهاديون باعتبار أن أرضا إسلامية محتلة، وبين “الجهاد العالمي”، ضد الغرب ما بعد 11 سبتمبر. وعلى الرغم من النقاش الذي يثيره تقسيم هاجهامر، ففي حالة الشيشان هذا التقسيم يبدو متحققاً، حيث إن المقاتلين العرب، الذين مثلوا الحركة السلفية – الجهادية في الشيشان آنذاك ارتبطوا بالشيخ صالح العثيمين، يمكن العودة لمقال السيف عن الشيخ العثيمين في مجلة البيان 2001- بينما الآن يتضح الخط السلفي-الجهادي أكثر مع التواصل مع شيوخ الحركة.