لعل وجود «تنظيم الدولة الإسلامية» (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام سابقاً) على تخوم الأردن يعد الشاغل الأكبر للأردنيين، سواء على مستوى النخب السياسية كما يتبدى في الصالونات السياسية في عمان أو حتى على مستوى حديث الشارع، ولعل هذا القلق يشارك الأردنيين فيه الاتحاد الأوروبي حيث نشرت صحف أردنية تقارير تشير إلى نية الاتحاد الأوروبي تأسيس «مجموعة دعم»، تتألف من دول أوروبية وأخرى من المنطقة، بما فيها الأردن، لمساعدة العراق على مواجهة «تنظيم الدولة». وذات القلق يبرز عن الحديث عن القضية الفلسطينية، أو الأزمة الاقتصادية.. إلخ.
هذا القلق، أو أنواع القلق المختلفة، وإن كان له مبرر في ظل الصور والقصص المفزعة القادمة من العراق وسوريا فيما يتعلق بسلوكيات التنظيم هناك، وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، والأزمة الاقتصادية في الداخل، إلا أن الأردن يواجه أزمة يتم الحديث عنها بشكل واضح، لكن لا يلتفت أحد لها كخطر يهدد الأمن القومي الأردن، وهو ذلك المرتبط بالعنف الاجتماعي، فبين عامي 2008 و2013، ووفقاً للأرقام الرسمية، شهد الأردن ارتفاعاً للعنف الاجتماعي بشكل كبير، فمثلاً حوادث إطلاق العيارات النارية زادت بنسبة %99، وحوادث سرقة السيارات بنسبة %66، وجرائم القتل، والاغتصاب، والخطف بنحو %45 لكل منها.
مثل هذه الأرقام المفزعة تدلل، من جانب على حالة الاحتقان المجتمعي في البلاد، وإذا ما قورن هذا بحالة تزايد التباينات داخل المجتمع بشكل واضح، فالفوارق الاقتصادية بين عمان العاصمة والمحافظات الطرفية باتت واضحة، وأكثر حدة، وحيث إن مثل هذا الاختلاف بين المركز والأطراف متوقع اقتصادياً في كل العالم ألا أن يكون الفارق حاداً ويترافق مع شعور بالغبن الطبقي، يجعل من حالة التباين هذه مصدر عنف متوقع. ولعل الأزمة المستمرة في معان جنوبي المملكة مؤشر على ذلك.
يلاحظ المرء فروقاً واضحة وتباينات إذا ما انتقل من العاصمة عمان إلى الضواحي، كما يلاحظ أن المزاج العام في المناطق الطرفية بات حاداً، فتفاوت الدخول، والخدمات، والأسعار جلي.
إشكالية مثل هذه التباينات الاجتماعية المصاحبة لعنف اجتماعي، أنها تفرغ نفسها على شكل احتجاجات اجتماعية غير سياسية، مما يجعل خطورتها أنها تكمن في التخريب، ومواجهة الآخر، وبالتالي، ولغياب الأهداف السياسية، يكون من الصعب التوصل إلى تسويات مع مثل هؤلاء المحتجين، خاصة وإن لم تكن احتجاجاتهم مطلبية وأضحوا كمد طريق، أو منع توسع مبنى ما، أو حتى زيادة دخول.. إلخ كيف يكن التعامل مع حالة غضب اجتماعية دون معالم واضحة؟
الكلفة الاقتصادية أيضاً لمثل هذا العنف المجتمعي، إن جاز لنا الوصف، عالية جداً بدءاً من الأمن، والحلول الاقتصادية، والتدخلات الاجتماعية.. إلخ، هذا عدا الكلفة السياسية لاستقرار البلاد، وفي حالة الأردن، الأهم أن مثل الأرقام المذكورة أعلاه ورغم نقاشها العلني، يبدو أنها لا تدق ناقوس الخطر، على شكل إجراءات وخطط مستقبلية، وهنا مكمن الخطورة، فهذا التقديم أكثر إلحاحاً من تنظيم الدولة، واللاستقرار في الجوار، أو على الأقل هو جزء مما يجب أن يكون أولوية لصانع القرار.
المصدر: العرب