«تنظيم الدولة» والفكر المأزوم عربياً!

تحليل ظاهرة «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، أو ما باتت تعرف الآن بـ «الدولة الإسلامية»، عربياً يتسم، فيما يتسم، بصفتين أساسيتين، في معظم الأحيان، وفق مستوى التحليل، على المستوى الشعبي، وعلى مستوى النخب، وكلا الصفتين تعبران عن اختزال وسطحية في فهم هذه الظاهرة.

على المستوى الشعبي، وطبعاً هذا التحليل/الموقف مستمد من تنظيرات نخبوية بطبيعة الحال، لكن المقصود هنا في هذا التمييز هو المساعدة على تفكيك هذا الموقف وتحليله، يشير كثيرون إلى أن هذا التنظيم مخترق، سواء من إيران، وأحياناً من الولايات المتحدة، أو حتى من قبل الحكومة العراقية، أو السورية. أصحاب هذا الموقف لا يرون أن التنظيم في حالة عدائية مع حلفاء إيران (العراق، وسوريا)، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة.

لكن المهم في هذا الموقف، هو أنه يعبر عن رفض داخلي لوجود مثل هذه الفكر المتشدد، في مجتمعاتهم، لا بل من إنتاجه إلى حد كبير، وبالتالي يقوم هذا الموقف الدفاعي، دون محاولة العودة إلى جذور الأزمة والنظر في الأزمات العربية المتلاحقة من سياسية، واقتصادية، واجتماعية، مليئة بالعنف، والإحباط، وانعدام الأمل بالمستقبل، لتوفر أرضية خصبة لإنتاج مثل هذا التنظيم، وغيره. ولعل أصحاب هذا الموقف الدفاعي إذا ما نظروا حولهم ليجدوا عربياً كثيرين يؤيدون مثل هذا الفكر، وإن كان بشكل غير مباشر، خاصة في ظل الظروف القائمة في المنطقة. أما على المستوى النخبوي، فهناك موقف يحاول ربط سلوك هذه التنظيم بإسرائيل وسلوكها، وقد تصاعد هذه الخطاب/الموقف مع أحداث غزة الدامية، كأن يربط سلوك التنظيم ضد المدنيين، بسلوك إسرائيل مثلاً، أو يربط غياب هذا التنظيم عن الصراع الفلسطيني-العربي بذلك أيضاً. من المعروف أن القضية الفلسطينية، تلعب دور المغناطيس في الأزمات العربية، بحيث تربط بها معظم تلك الأزمات، بل إنها تعد بنظر الكثيرين المنتج لتلك الأزمات (أزمة أنظمة الحكم، التطرف، غياب الحريات وحقوق الإنسان، النزعات الانفصالية…إلخ والقائمة تطول).

الإشكالية في هذه الخطاب أنه يتجاهل أن الواقع العربي يعاني من أزمات عدة، منها القضية الفلسطينية، ولعل التصعيد في غزة وتفاعل الشارع العربي معها، مؤشر أساسي على مركزية هذه القضية لدى هذا الشارع، وهذه الأزمات تعبر عن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي العربي، وهو ما ينتج تلك الأزمات بمنطق المتوالية الهندسية، ولكن يجب أن يفهم أن القضية الفلسطينية واحدة منها، وليست هذه المنتجة لكل تلك الأزمات، ومنها أخيراً «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، بل هذه أزمة جديدة.

بهذا المعنى، فإن الأزمات العربية تراكمية وتتزايد، وليست مجرد أزمات تنبثق من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهذه تعبر عن واقع معقد متشابك، يحتاج إلى جهود كبيرة لتفكيكه وبحث حلول لكل تلك الأزمات التي تعصف ولا تزال بالواقع العربي في الكثير من أقطاره، وللأسف يبدو أن المستقبل يحمل الكثير إن لم يتم تدارك الأمر.

المصدر: العرب

Exit mobile version