أشارت مجلة الإيكونوميست البريطانية في ملفها الخاص عما أسمته بـ «تراجيديا العرب»، إلى واقع تاريخي محزن، حين أشارت إلى أن عواصم كالقاهرة ودمشق وبغداد كانت مصادر النهوض الحضاري للعالم، يستفيد منها حتى الغرب، ولكنها اليوم كما نرى جميعاً تصارع حالة من الفوضى المرتبطة بالعنف والاستبداد والجماعات المسلحة والتطرف، وأزمات مختلفة ترتبط بوحدة تلك الدول، أو وجود خاصرة رخوة على الأقل كحالة شبه جزيرة سيناء في مصر.
نعم منذ سنوات ثلاث، وكما لاحظت المجلة أيضاً، كان هناك أمل بأن تتحول الدول العربية إلى دول حديثة ديمقراطية، أو على الأقل تبدأ هذه الطريق، لكن الآن بات العنوان الرئيسي وجود جماعات متشددة تسيطر على المشهد، وبات التيار السلفي الجهادي وتفرعاته المختلفة جاذبا أساسياً للمحبطين الكثر في هذا العالم العربي.
ولكن هناك جانب آخر تبدى بشكل جلي مع الأزمة الدائرة الآن في قطاع غزة، واستمرار القصف الذي يودي بحياة المدنيين، ترتبط بحالة الضعف والوهن الذي أصاب النظام الإقليمي العربي، فمصر مثلاً حالياً غير قادرة على إنجاز اتفاق كالهدنة التي أنجزها الرئيس السابق محمد مرسي عام 2012 بين حماس وإسرائيل. أجل مرسي كان قريبا من حماس، لكن القيادة الحالية بقيادة عبدالفتاح السيسي لها قنوات تواصل مع إسرائيل. المقصود ليس أن نظاما أفضل من غيره أم لا، لأن الأنظمة تقيم بأدائها الداخلي وليس بعلاقاتها الدولية على أهميتها، بل إن الإشكالية تقع في غياب نظام إقليمي عربي يوازن القوى السياسية، لأن التوازن العسكري غير موجود أساساً. ولعل الحديث عن دور سوري أو عراقي هو أقرب للحكايات الخيالية للأطفال. هذا الضعف الإقليمي يبدو أنه كان في بال إسرائيل حين جهزت لعمليتها العسكرية، التي ستحقق لها واقعاً على الأرض، وسيكون جزءاً من أي مفاوضات مستقبلية، أو أي حديث عن تسوية ترتبط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
على ذلك، فإن المعادلة عربياً باتت ترتبط بفشل وإفشال حركات الربيع العربي، لتتسيد المجموعات الجهادية الموقف، ويغيب النظام الإقليمي العربي (يحاجج البعض بأن هذا النظام لم يكن موجوداً أصلاً، لكنه كان وإن كان ضعيفاً، وكان يساهم ولو بشكل طفيف في تغيير المعطيات على الأرض)، وهذان العاملان يلعبان دوراً مغذياً لبعضهما البعض، والعلاقة بينهما طردية، فكلما زاد القبول الدولي لتشكيل مثل هذا النظام الإقليمي العربي، فإن القبول للأفكار الجهادية يتزايد.
مثل هذه المعادلة، تقدم صورة قاتمة للمستقبل في الدول العربية، فحالة الاستقطاب بين النموذجين، تدلل على احتمالات العنف المتوقع له التزايد في تلك الدول، وأيضاً بطبيعة الحال تزايد حالة العنف البنيوي من فقر، وبطالة، وغياب الفرص.. إلخ، مما يجعل من تلك العلاقة دائرة متحركة من العنف والعنف المضاد، ولعل ما نشهده اليوم من عنف في كثير من الدول العربية، مؤشر على هذا المستقبل. يبدو أن مجلة الإيكونوميست كانت محقة بعنونة غلافها بـ «تراجيديا العرب».
المصدر: العرب