إلى أين يتجه الجهاديون بعد توسع «تنظيم الدولة»؟

أبرز توسع «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» في مساحات جغرافية واسعة في العراق منذ الأسبوع الفائت، بما فيها ثانية أكبر المدن العراقية الموصل في شهر يونيو 2014، تزايدا في المصادر التمويلية للتنظيم. وقد أشارت تقارير إلى أن التنظيم نهب ما يزيد على الأربعمائة مليون دولار أميركي من البنوك الموصلية، مما يجعله «أغنى المنظمات الإرهابية في العالم». وتقارن التقارير بهذه الأموال «تنظيم الدولة» بمنظمات أخرى كطالبان وحزب الله وحماس، وحتى القاعدة المركزية، لتخلص إلى أن هذا التنظيم يتفوق على كل تلك المنظمات حتى على بعض ما تبقى من المنظمات «الإرهابية» الأوروبية. وجود مثل هذا التمويل الكبير، من المؤكد أنه سيزيد من قدرات التنظيم التجنيدية، وجذب الشبان وتنفيذ العمليات، وبالتالي يتوقع أن هجمات التنظيم تتزايد في سوريا والعراق، حتى لو استعادت السلطات العراقية سيطرتها على المناطق التي سيطر عليها التنظيم قريباً. لكن بالمقابل، وفي ظل الصراع الداخلي بين الجهاديين أنفسهم، بين القاعدة المركزية، وممثلها في سوريا «جبهة النصرة»، وتنظيم الدولة، فإن الأيديولوجيا وشرعيتها، ما زالت إلى جانب القاعدة المركزية، وهي مسألة مركزية لدى تيار ينطلق من مقولات دينية في سلوكه السياسي العنيف. ولكن بين هذا وذاك فإن النمط الذي يشكله «تنظيم الدولة»، يعبر عن نمط جديد أكثر راديكالية، ويؤمن بفقه التغلب والقوة، ويركز على «العدو القريب»، أكثر من «العدو البعيد»، بات وبشكل مفارق، جاذباً، والأهم أن تمويله الآن كبير، مما سيجعله عنواناً رئيسياً في اقتتالات محلية عدة. وعلى ذلك يبدو أن الجهاديين باتوا على مفترق طرق بين إعادة إنتاج القاعدة بشكل جديد أكثر اندماجاً مع البيئات المحلية، كما تسعى «جبهة النصرة» في سوريا حالياً وتحقق نجاحات في ذلك، وبين نموذج يقوم على فكرة «الغلبة» والقوة، كما يمثله «تنظيم الدولة»، وهنا يثار جدل أساسي حول من يتفوق في التجنيد من المجموعات المسلحة، من يمتلك التمويل أم الأيديولوجيا؟ حيث تشير العديد من الدراسات إلى أن الاتجاه لدى الأفراد الراغبين للانضمام لمجموعات مسلحة ما، يرتبط -بالإضافة إلى الجانب الأيديولوجي- بقدرة تلك المجموعات على توفير التمويل لهم للمشاركة في القتال. وعلى ذلك فإن عامل «الموارد» يحدد أيضاً العلاقة بين المجموعات المسلحة المحلية، والمجموعات الجهادية، بمنطق القدرة على تمويل العمليات العسكرية، ولذا فإن حالات عدة في سوريا أظهرت أن العامل التمويلي لعب دوراً أساسياً في تفضيل أفراد مجموعات عن غيرها، ولكن بالمقابل، فإن الأيديولوجيا لدى المجموعات التي تنطلق من مقولات دينية وتفترض في بعض المفاهيم السياسية كـ «البيعة» و «الطاعة»، وغير السياسية كـ «الإيثار»، و «التضحية»، أطراً أساسية لسلوكها السياسي، وبالتالي فإن الخلاف بين الجهاديين أنفسهم، يبدو أنه سيكون حاداً لمرحلة ما بعد توسع «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» في الموصل، وغيرها.

المصدر: العرب

Exit mobile version