لا أقتنع بنظرية المؤامرة في تفسير السياسة، وأدرك أن توازنات القوى السياسية والعلاقات الدولية تلعب دوراً أساسياً في تشكيل المشهد السياسي، وهذا ينطبق على الأزمة السورية، وطبيعة الحملة القاسية التي شنها النظام على المدنيين دفعت باتجاه تصعيد المجموعات المتشددة فيها، وباتت تستقطب جهاديين من كل أنحاء العالم. ولكن، بالمقابل، فإن تلكؤ المجتمع الدولي في حل الأزمة، جعل سوريا تلعب دور «محرقة الجهاديين» سواء أكان ذلك مقصوداً أم لا، فقد اعتدنا النظر إلى سوريا باعتبارها جاذبة لمثل هؤلاء الجهاديين، وهو أمر يسهل تفسيره، ولكن ماذا عن زاوية أنها محرقة لهم؟ لا يمكن إثبات هذا إلا بمعلومات استخباراتية، سواء أكانت حكومات ما بعينها تسهل دخول الجهاديين إلى سوريا، رغم أن بنية المجموعات الجهادية تؤكد على أنهم عصيون على مثل هذه التفاهمات، ولكن بالمقابل تحليل حالة المجموعات الجهادية اليوم تظهر أن كثيراً من الدول مستفيدة من وجودهم هناك، ولذا يغضون الطرف عن استمرار الأزمة السورية، وفقاً لشرطين، بأن لا تتفاقم الأزمة السورية وتتنقل خارج الحدود ولا يعود هؤلاء الجهاديون إلى بلدانهم (عدد من الحكومات ومنها البريطانية اقترحت سحب الجوازات منهم، وهذا يترافق أيضاً مع كثير من برامج مكافحة التشدد وإعادة تأهيل العائدين من سوريا التي أقرت في أكثر من دولة أوروبية). إذا ما تم تحقيب الهجمات التي نفذها السلفيون الجهاديون، وتقسيمها حسب المكان المستهدف، منذ ما بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، يلاحظ أنه حتى عام 2008 كان العمليات تستهدف الغرب وحلفائه (مدريد، لندن، بالي، جربا، الدار البيضاء، عمان.. إلخ)، وكانت العراق مسرحاً أساسياً أيضاً للجهاديين. بعد عام 2008 عمد الجهاديون إلى فتح ملاذات آمنة في اليمن، والصومال، والعراق (حين أعلن عن «الدولة الإسلامية في العراق»)، والمنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، وباتت هذه الملاذات الآمن يخرج منها أعضاء القاعدة لينفذوا هجماتهم أو يحاولوا، أو تجند قيادتهم آخرين في الغرب (النيجيري عمر الفاروق، فيصل شاهزادة، خلية الطابعات، نضال مالك حسن)،وحتى الدول القريبة كالهند (مومباي)؛ حيث يلاحظ أن الهجمات كانت تستهدف إلى حد كبير الغرب، والشرق الأوسط، أو في المركز من العالم الحديث. لكن منذ 2011، وتحديداً بعد أن باتت سوريا جاذبة للجهاديين، انتقلت تلك العمليات إلى الأطراف كمالي في البداية، ومن ثم الهجوم على السوق التجاري «ويست جيت» في كينيا من قبل حركة الشباب الصومالية، ومن ثم بوكو حرام والعمليات التي تنفذها بشكل متكرر وأكبرها أخيراً عملية خطف طالبات المدارس، وحتى معظم الاعتقالات في الغرب باتت ترتبط بجهاديين ينوون الذهاب إلى أو عائدون من سوريا. مثل هذه التحول سببه الرئيسي الحرب الطاحنة في سوريا، التي يبدو أنها تستنزف الجهاديين، وبالتالي قد تنظر دولاً عدة بأن هذا من مصلحتها، خاصة أن هذا يترافق مع انقسام الجهاديين، وتزعزع أيديولوجيتهم بسبب الانقسام الحاد، وحتى الاقتتال، فيما بين الجهاديين أنفسهم.
المصدر: العرب