بوكو حرام!

شغلت المجموعة النيجيرية المسلحة التي تعرف باسمها الإعلامي أكثر «بوكو حرام» العالم، عندما قامت باختطاف ما يزيد على المائتي طالبة من مدرسة في أزمة قد تعد الأكبر في البلاد من الناحية الأمنية والسياسية. وقد قدمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا مساعدات عاجلة للحكومة النيجيرية لحل الأزمة، بشكل يدلل على القلق المتزايد من المجموعة المسلحة التي بدأت مؤخرا تنتشر إقليميا، تحديدا في النيجر والكاميرون المجاورتين. الاسم الأصلي لمجموعة «بوكو حرام» الذي يعني تحريمهم للتعليم الغربي، أو التعليم العادي الحكومي، هو «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد» وهو اسم يدلل على طبيعة السلفية الجهادية للحركة، لكن هذا الاسم أطلق على الحركة بعد عام 2010 حين باتت تحمل نهجا عنيفا. تعبر الحركة عن أزمة الشمال الفقير ذي الأغلبية المسلمة، مع الجنوب الغني بالنفط. ويشكل الشمال أكثر من نصف سكان البلاد الذي يقدر بنحو المائة والستين مليونا لتكون أكبر دول إفريقيا، ولكن هذا الشمال، تحديدا في مدينة بورنو، التي بدأ فيها الشيخ محمد يوسف حركة سلفية غير عنيفة بعد عام 2002، يدعو الناس فيها لرفض المدارس الحكومية، ويعقد الحلقات، لكنه رغم عدم تبنيه العنف قتل والكثير من أتباعه عام 2009 من قبل السلطات النيجيرية، وكان الجهاديون يصعدون ليسيطروا على الحركة وتتخذ طابعا عنيفا، وتلجأ للتفجيرات، والعمليات الانتحارية، ومحاولات الاغتيالات…إلخ لتزداد عملياتها عامي 2012 و2013 بنسبة الخمسين بالمائة. برونو في أقصى الشمال الشرقي، نسبة الأمية فيها أقل بثلثين عن لاجوس مثلاً، والدخل أقل بنسبة %50 عن الجنوب، ونسبة الذهاب إلى المدارس أقل بـ%75، والأهم من هذا أن الحملات الأمنية الحكومية، ونسب الفساد، وغيرها أسهمت في نشر الإيديولوجية الراديكالية، ومع ذلك يبقى الشعور باللامساواة الاقتصادية للشمال أمام الجنوب عاملا أساسياً حيث يدخل على نيجيريا 50 مليارا سنويا من النفط، وكثيرون في الشمال يشعرون أنهم غير مستفيدين منه. التقارير الأمنية تتحدث عن نسج حركة بوكو حرام لعلاقات مع القاعدة، والتيار السلفي الجهادي الذي ينشط جنوب الصحراء في دول الساحل، والمغرب العربي، بطبيعة الحال. كما أن حركة سلفية جهادية جديدة تعرف باسم «أنصار المسلمين في بلاد جنوب السودان» تنشط في الشمال أيضا ولكن في كانو. مهما يكن من أمر فمن الواضح أن وجود مظالم محلية يرى كثيرون أنها عادلة، يمكن أن تفقد ذلك التأييد عبر تنفيذ عمليات وهجمات تستهدف المدنيين، وحتى طلاب المدارس. مثل هذه الهجمات لا تبرر بأي شكل، ولا تسمح أيضاً بطرح تلك المظالم لأن هذا سيبدو تبريرا وليس تفسيرا. وبالمقابل فإن عملية التنمية تلعب دورا أساسياً في معالجة جذور التطرف، ويمكن القول إن كلفتها أغلى من الحلول الأمنية لكنها أجدى وأكثر استمراراً، ولعل نيجيريا واحدة من أمثلة كثيرة في العالم على أهمية التنمية المقدمة على الحل الأمني.

المصدر: العرب

Exit mobile version