“كيندل” سولانا والدور الدولي للدول الصغرى

برغم تراجع ولعي بكرة القدم مع مر السنين، وبسبب الانخراط أكثر في متابعة الشؤون السياسية والدولية، فقد كانت مباريات كأس العالم فرصة لمشاهدة المباريات والاستمتاع بمشاهدة الحدث الكروي، أو أخذ إجازة من السياسة على حد تعبير الزميل موسى برهومة ورئيس تحرير الحياة اللندنية غسان شربل.

وقد سعدت، في هذا السياق بمشاهدة مباراة سويسرا وأسبانيا بصحبة الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، والمفوض الأعلى السابق، أيضاً، للسياسة الخارجية الموحدة للاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، الفيزيائي بتخصصه، الذي بات رمزاً للاتحاد الأوروبي، لذلك كان يخفي تشجيعه لمنتخب بلاده، أسبانيا، باعتباره كان يواجه فريقا أوروبيا آخر.

لم تكن المباراة القاسم المشترك بيننا، بل أيضاً جهاز “الكيندل”، وهو قارئ الصحف والكتب الالكتروني، الذي يشكل بالفعل تحدياً للذين كانوا يراهنون على علو كعب الكتاب الورقي، حيث بات مقتنو “الكيندل” يتزايدون يوماً بعد يوم، بسبب قدرته على حفظ العديد من الكتب، والتحميل مباشرة من الانترنت، وقراءة الصحف والاشتراك بها، وهو بحجم الكتاب من القطع المتوسط.

لقائي بسولانا جاء على هامش مشاركتنا في “منتدى أوسلو السنوي”، وهو مؤتمر سنوي يجمع سياسيين وصناع قرار وباحثين، مع ناشطين في مجال “الوساطة الدولية”، و”التفاوض”، و”حل الصراعات”، ما يعطي لكل هؤلاء فرصة النقاش في أجواء غير رسمية في منتجع بضواحي العاصمة النرويجية أوسلو.

كل المناقشات تدور في إطار “قاعدة تشاتام هاوس”Chatham House Rule، التي سنها “معهد الشؤون الدولية” في لندن، ويعرف بـ “تشاتام هاوس” في العام 1927، وتقتضي القاعدة بأن الحضور لهم حرية التصرف بالمعلومات التي يسمعونها في تلك الجلسات، لكن من دون الإشارة إلى صاحبها، ما يتيح له الحديث بحرية من دون الارتباط بالجهة التي يمثلها، وبعبارة أخرى فإن “قاعدة تشاتام هاوس”، تقتضي وضع قيود على نشر المعلومات المتداولة وأصحابها.

وقد شارك في منتدى أوسلو لهذا العام، الذي تستضيفه سنوياً وزارة الخارجية النرويجية بالتعاون مع “مركز الحوار الإنساني” في جنيف (العاصمة السويسرية)، عدد من السياسيين العرب، ولم يتسن لي سوى سؤال مستشار الرئيس اليمني عبد الكريم الأرياني، الذي لم يمانع مشكوراً من نشر اسمه أو حتى رؤيته للمشكلات التي يواجهها اليمن من اقتصادية وأمنية تتمثل بالأزمة الاقتصادية، والحراك الجنوبي، وتنظيم القاعدة، والحوثيين في الشمال.

وقد سعدت بالحديث مع الأرياني عن كتاب الأديب الداغستاني “رسول حمزاتوف”، “داغستان بلدي”، الذي وصفه الأرياني بأنه كان من الكتب التي حبّبته بداغستان برغم ارتباطه بالاتحاد السوفيتي والفلك الشيوعي إبان صدوره.

مهما يكن من أمر، فإن من المهم الإشارة إلى الدور الذي تلعبه النرويج في طرح نفسها كوسيط دولي في العديد من الصراعات التي تمتد من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية، وصولاً بطبيعة الحال إلى الشرق الأوسط، ولعل مفاوضات أوسلو عام 1993 من العلامات الفارقة في الصراع العربي-الإسرائيلي.

النرويج، التي لا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين، تعول كثيراً على دورها هذا، وتخصص ميزانيات كبيرة لدعم عمليات السلام حول العالم، وهذا يرتبط، كما يقول صديقي المستعرب النرويجي د. برنار ليا، مؤلف كتاب مهم عن منظر القاعدة “أبو مصعب السوري”، بأنه شكل من إنتاج “الماركة” المرتبطة بالدولة، وهو أمر تسعى له الدول الصغيرة لزيادة وزنها الدولي بشكل يؤمّن لها دورا دوليا أكثر نفوذاً من ناحية، ومن ناحية أخرى يوفر مثل هذا الدور لها أمنا أكبر باعتبار أن تلك الدولة الصغيرة تصبح ذات دور مهم وضروري للقوى الأخرى.

التجربة النرويجية تؤشر على أن وزن الدول الاستراتيجي لا يرتبط أبدا بحجمها الديمغرافي، ومساحتها الجغرافية.

المصدر: الغد

Exit mobile version