حكومة بدران والتحديث السياسي المطلوب

الدكتور بدران، إن اراد استغلال الترابط بين ثلاثة اساسيات تميز حكومته المقبلة،  وهي: التفاؤل الشعبي، الاستحقاقات الثلاثة المذكورة، واكاديميته، فإنه مرشح لإحداث تحول مهم في السياسة الاردنية المعاصرة، وتشكيل ما يمكن تسميته بـ”المجموعة السياسية الأكاديمية” من خلال ردم الفجوة بين السياسة العملية التطبيقية والتنظير الأكاديمي.


وكما جرى في الولايات المتحدة في ستينيات القرن الفائت حين حولت مجموعة من  الاكاديميين مثل (كينان، كينيدي، مكنمارا، روستو وغيرهم) فكرة العلاقة مع الاتحاد السوفيتيي من مكاتب الجامعات إلى واقع سياسي تطبيقي، وكان لهم الدور في تجسيد فجوة العلاقة بين المنظرين الاكاديميين والسياسيين، كما برز لاحقاً في السياسية الأميركية، فإن ذلك احتمال ممكن للسياسة الأردنية رغم الفروقات الجوهرية بين الدولتين. 


فقضية ربط الاكاديمي بالسياسي في ضوء وجود التفاؤل الشعبي بالحكومة القادمة، وبيئة سياسية تستدعي الحذر والدقة، يوجب على الحكومة القادمة أن تجعل من ردم تلك الفجوة في اولوية اجندتها، خاصة وإن ادركنا ان الانفاق على البحث العلمي في الاردن لايتجاوز 0.4% من الناتج القومي الاجمالي، وأن معظم النتاج العلمي مرتبط إما بالترقية الوظيفية أو بتحسين وضع المعيشة، لا بتطوير ابحاث عملية تطبيقية تخدم صانع القرار لتؤثر مباشرةً في الواقع المعاش.


فإن استطاعت الحكومة تشجيع مراكز البحث العلمية سواء داخل الجامعات او خارجها لتكون رافداً حقيقياً للحكومة فإنها ستردم تلك الفجوة القائمة على مستوى السياسات وذلك على مستويين: الأول المستوى التنموي، حيث يثار حالياً في العالم، على سبيل المثال شعار “من قاعات الجامعات الى المصانع” كتعبير عن دور البحث العلمي في تطوير القطاع الصناعي، وهو الأمر الذي ينطبق على القطاعات التنموية الأخرى، وفي ذلك تحقيق لغايتين أساسيتين: أولاهما الاستناد إلى العلم في التنمية، والأخرى تحقيق أول شروط الحكم الرشيد بالحاق القطاع الخاص والمؤسسات الاكاديمية (وهما يمثلان قطاعات الـ Grass Roots) بصانع القرار الحاكم.


وأما المستوى الثاني فيرتبط بالبحث السياسي، فيلاحظ أن تغييرات أساسية تجري سواء في الولايات المتحدة أو العراق أو إسرائيل أو معظم دول العالم، ونعيش في ما يمكن وصفه بحقبة جديدة، أو متجددة، في النظام العالمي، وفي حين أن معظم السياسات العالمية في الدول المتقدمة تستند الى نشاط الاكاديميين ومراكز أبحاثهم، فإننا أحوج ما نكون إلى ردم الفجوة (مرة أخرى) بين الباحثين السياسيين، والحكومة.


وبهذا المعنى، وعلى المستويين، فإن رسم اطار عام للسياسة الاردنية داخلياً أو خارجيا، يربط الأكاديمي بالسياسي، يعد موضوعاً ملحاً للدولة، فهل يفعلها “الاكاديمي بدران”؟

المصدر: الغد

Exit mobile version