الشيشانيون في “الصورة الإعلامية”

بحكم الصراع الشيشاني-الروسي الممتد، منذ القرن الثامن عشر، وفقاً للتأريخ الحديث، فإن الصراع امتد، رغم تغير الأنظمة الحاكمة في موسكو، وأشكال الحكم التي تم تبنيها هناك، منذ روسيا القيصرية، والاتحاد السوفييتي والنظام الشيوعي، والنظام الفيدرالي الرئاسي الحالي، والذي وصف ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بـ “الأوليجاركي”، نسبة إلى تحكم مجموعة من الطبقة الغنية في مجريات العمل السياسي، ولاحقاً تحول إلى حكم فردي كان فلاديمير بوتين عنوانه الرئيس. نتيجة الصراع الممتد هذا، تم إنتاج صورة نمطية سلبية للشيشان طوال فترات الصراع، وهي صورة لم تتغير بتعبيرها عن نظرة فوقية أنتجها المركز.

خلال الحقبة القيصرية وصف الشيشانيون بـ “البرابرة”، و”قطاع الطرق”، ووسموا بـ “الهمجية”، وكان تبرير الدعاية القيصرية لحروبها المتعاقبة في القوقاز هي “حمل مشاعل التنوير لهذه الشعوب البدائية”. وفيما عدا الدراسات التي تتحدث عن “الصور النمطية السلبية عن الشيشان”، فلعل في روايات الأديب المعروف ليو تولستوي، ما يبين بلغته الأدبية هذا التوجه إبان الحكم القيصري تحديداً.

وخلال الحقبة الشيوعية وصف الشيشانيون، وشعوب أخرى، في مراحل مختلفة من الحكم الشيوعي، بـ “الفلاحين البرجوازيين”، و”الرجعيين”، والتهمة الأخطر بـ “أعداء الشعب”، والتي تسببت بنفي الشعب الشيشاني إلى كازاخستان وسيبيريا في 23 شباط (فبراير)1944. وأما خلال الحقبة المعاصرة فقد وصف الشيشانيون في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بـ “المافيا”، و”رجال العصابات”، وأما ما بعد اندلاع الحرب الشيشانية-الروسية الأولى عام 1995، وحتى اليوم فوصفوا بمصطلحات “إرهابي”، و”أصولي”، و”متشدد”، و”وهابي”، وهي لفظة وفقاً للاستشراق الروسي، كما بين صديقنا المرحوم تركي علي الربيعو في دراسة قيمة نشرها في مجلة “الاجتهاد” تربط الشيشان بالبداوة والهمجية والتوسع العسكري. وعلى ذلك فإن الحرب الروسية ضد الشيشان وصفت، على الرغم من نطاقها الواسع والضحايا الذي تسببت بها، بـ “عمليات مكافحة الإرهاب”!.

مناسبة هذا الكلام، أو إعادة الحديث فيه هو إشارة وردت للكاتب الإسرائيلي اليكس فيشمان، في مقاله المترجم على صفحات “الغد” عن الـ “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية (24-02-2010 صحافة عبرية)، حيث يقول تعليقاً على اغتيال محمود المبحوح، بأن جهازا كبيرا يقف وراء العملية: “هذه ليست عصبة مصفين شيشان اجتمعت على عجل، في الطريق، لتصفية تاجر مخدرات”. وللقارئ أن يتساءل لماذا “عصبة شيشان”؟ لولا أن الإعلام بشتى أشكاله بات يستجيب ويكرر الصورة النمطية السلبية عن الشيشانيين التي وصفناها أعلاه.

فالتكرار الإعلامي هذا بات مادة للإثارة، وأذكر أني كتبت عدة مرات عن مقالات تتحدث، من دون أدلة بطبيعة الحال، وحتى من دون رد حين يسألون عنها، عن مقاتلين شيشانيين في أفغانستان، ومناطق أخرى في العالم، وكان أحد “الخبراء” قد كتب عن شيشانيين من الأردن شاركوا في القتال في الفلوجة، وهو أمرساذج لكل من يتابع نشاطات الجماعات السلفية-الجهادية، وكأن الشيشانيين لا تكفيهم حروب بلادهم الممتدة منذ ما يزيد على المائتي عام، ويخرجون ليبحثوا عن غيرها في الخارج.

للأسف الشديد، هذه الصورة النمطية السلبية انعكست أيضاً على العالم العربي، فمثلاً في مدينة الصدر/الثورة في بغداد، حي يعرف باسم الشيشان نسبة إلى نسب الفقر وارتفاع معدل الجريمة فيه، كما أخبرني أحد الأصدقاء العراقيين. وكذلك أيضاً حي سمي بـ “الشيشان” ضمن “كريانات” (جمع “كريانة”، وهي تسمية الحي العشوائي في المغرب) سيدي مومن في الدار البيضاء، والتي خرج منها عدد كبير من منفذي تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، وما بعدها. والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، ولكن أكتفي بكتاب نشر عن دار نشر عربية مرموقة تتحدث عن “الجهاديين”، في أحد بلاد الشام، حيث تحدث المؤلف عن “كتيبة” كاملة!! شكلت من شيشانيين أردنيين ذهبت للقتال إلى تلك الدولة عام 2007، نصرة للسلفيين-الجهاديين هناك. ولعل أهل الزرقاء، وصويلح، والسخنة، والأزرق من الأردنيين الذين عاش بينهم الشيشانيون منذ ما يزيد على مائة عام أكثر إدراكاً لمدى سذاجة مثل هذه المعلومات، عداك عن صدقيتها.

المصدر: الغد

Exit mobile version