تحولات “القاعدة” على إيقاع التغيير في العالم العربي

كما في نهاية العام 2009، فقد حملت نهاية العام 2010 سلسلة من الحوادث المرتبطة بالتيار السلفي-الجهادي، كتفجير ستوكهولوم، وهجوم كنيسة النجاة في العراق، وتفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية بمصر، واعتقال خلية من تسعة أشخاص في بريطانيا، وأخرى من خمسة أشخاص في الدنمارك وغيرها. ومؤخراً، قام شاب ألماني من أصل كوسوفي بإطلاق النار على حافلة تقل أميركيين في مطار فرانكفورت. ولكن ما إن بدأ العام 2011، حتى كان العالم العربي يقفز بثوراته إلى مراحل متقدمة من العمل السياسي.

هذه التحولات فرضت على التيار السلفي-الجهادي تحديات عدة؛ فخطابه لم يعد جذاباً في الشارع العربي، بدليل أن الشبان وجدوا في العمل السياسي السلمي فاعلية ونجاعة أكثر من سلوكيات تنظيم “القاعدة” العنيفة.

وباعتبار أن “القاعدة”، أو التيار السلفي-الجهادي، وكما يلاحظ المتتبع نشاطاته، تعبر عن ظاهرة متحركة وليست استاتيكية، وهي صفة واضحة في ظل حالة المواجهة التي يعيشها في مناطق متفرقة من العالم، فإن ذلك يملي عليه تطوير استراتيجيات وتكتيكات تسمح له بمواجهة الضغط الأمني من جهة، والاستمرار من جهة أخرى في تنفيذ الهجمات المختلفة، محققا أهدافه المتمثلة بالتغطية الإعلامية، وإيقاع الخسائر، وخلخلة هيبة الأجهزة الأمنية في مكان الهجمات.

ويبدو أن نجاح الثورات في العالم العربي، أملى على السلفيين-الجهاديين، تحدياً ليس هيناً. وبالتالي، فإن التيار سيلجأ إلى أمرين أساسيين: الأول، تغيير خطابه إلى قدر يطرح فيه مفاهيم سياسية. ولعل تحذير الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، مؤخراً من التوسع في مفهوم “التترس”، يأتي في هذا السياق. والأمر الآخر هو التركيز على “الأطراف” في العالم الإسلامي، كمناطق أفغانستان، وباكستان، والقوقاز الشمالي، وآسيا الوسطى، بدلاً من العالم العربي، الذي طالما وصفت من “القاعدة” في أدبياته بـ”قلب العالم الإسلامي”.

وبطبيعة الحال، سيبقى التيار يراهن على فشل الغرب في دعم الثورات في العالم العربي، وذلك ليبرر حربه مع عدوه الأول. ويبدو أن التنظيم سيركز، وكما دللت الأحداث، على الأهداف الاقتصادية في مواجهته للغرب، حيث لوحظ تركيز السلفيين-الجهاديين على استهداف المصالح الاقتصادية مؤخراً؛ فمثلاً كان السويدي العراقي الأصل تيمور عبدالوهاب يسعى لتفجير نفسه في سوق مكتظة بمتسوقي عيد الميلاد، ولكنه فجر نفسه في ستوكهولوم ولم تنجح عمليته.

والحال شبيه فيما يتعلق بالمجموعة التي تم القبض عليها في بريطانيا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وقد وجهت اتهامات إلى أفرادها باستهداف منشآت حيوية، ولكن على رأسها سوق المال في العاصمة البريطانية لندن.

يذكر أن الاستهداف الاقتصادي مبدأ قائم لدى السلفيين-الجهاديين، وكان قد عبر عنه بالعديد من الأدبيات، ولكن التحول الجديد يرتبط بنمط التفكير الاستراتيجي الذي بدأته “القاعدة” أو التيار السلفي-الجهادي، خلال السنوات الأخيرة الماضية، بشن سلسلة “حروب صغيرة”، و”فتح جبهات عدة”، وخلق ملاذات آمنة مختلفة. وقد كان من المنظرين الأساسيين لهذه الاستراتيجية أبو بكر ناجي، وهو اسم حركي لمنظّر سلفي-جهادي، في كتابه المعنون “إدارة التوحش”، يقول فيه، في إطار سياسة الاستنزاف التي يسعى التيار إلى اتباعها: “إن الضعف الاقتصادي الناشئ عن تكاليف الحرب أو الناشئ عن توجيه ضربات النكاية مباشرة إلى الاقتصاد هو أهم عوامل الفناء الحضاري حيث يهدد الترف والملذات التي تلهث خلفها تلك المجتمعات فيبدأ التنافس بينهم حولها بعد أن تقل بسبب ضعف الاقتصاد، كذلك تطفو على السطح من خلال الضعف الاقتصادي المظالم الاجتماعية مما يشعل الحروب أو المواجهات السياسية والفرقة بين شرائح كيان المجتمع في بلد المركز”.

ويبدو أن هذه الاستراتيجية ستتوافق مع التحولات التي يمر بها التيار السلفي-الجهادي، وهي في الوقت ذاته رسالة بأن التيار لم ينته بعد نجاح الثورات في العالم العربي، ولكنه بالفعل قد يكون يواجه أكبر تحد له، حتى أكبر من الضغط الأمني العالمي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر).

المصدر: الغد

Exit mobile version