تعرض السفير البريطاني في صنعاء، العاصمة اليمنية، يوم الاثنين، لمحاولة اغتيال قام بها انتحاري اعترض موكبه بالقرب من موقع السفارة البريطانية في صنعاء، وقد قتل منفذ الهجوم، ولم يصب السفير بأذى. وفيما أشارت الحكومة اليمنية إلى أن الهجوم يحمل بصمات تنظيم القاعدة، أو “القاعدة في جنوب الجزيرة العربية” كما يسمي السلفيون-الجهاديون أنفسهم في اليمن، منذ أن اندمجت قاعدة اليمن بقاعدة السعودية بشكل رسمي في العام 2009، وإن كان الاندماج على المستوى العملي بين الطرفين قد بدأ من عامين قبلها.
استهداف السفارات والسفراء، يحتل موقعا مركزيا في تفكير السلفيين-الجهاديين خاصة سفارات الدول التي يعتبرها التنظيم عدواً، والولايات المتحدة وبريطانيا على رأسها، خاصة تلك المتواجدة في منطقة الخليج واليمن. وإذا ما عدنا إلى العام 2005 حين هاجم أعضاء القاعدة في السعودية القنصلية الأميركية في جدة، وبل اتخذوا رهائن فيها، وقد جاء بعد عدة سنوات من استهداف السفارة البريطانية في صنعاء ذاتها في العام 2000، ومن ثم مؤخراً، وبعد إعادة دمج القاعدة في اليمن وتوسع نشاطها فيها تعرضت السفارة الأميركية لهجومين، في العام 2008، آخرهما كان في أيلول (سبتمبر) بسيارتين مفخختين أوديا بحياة 16 شخصا.
ينطلق تنظيم “القاعدة” في استهداف السفراء والسفارات الغربية، سواء باليمن أوغيرها، من تبريرات شرعية، كما يرونها، وللقاعدة في اليمن أو في جنوب الجزيرة العربية، كما يسمي نفسه، ندوة مرئية، تم تسجيلها بعد استهداف السفارة الاميركية في (أيلول) سبتمبر 2008، أطلقوا عليها عنوان “شن الغارة على وكر السفارة”، وقد دارت “الندوة” بين اثنين من القيادات الشرعية للتنظيم وهما خالد باطرفي الملقب بـ “أبو المقداد الكندي”، وعادل العباب الملقب بـ “أبو الزبير”، والذي يعد المسؤول الشرعي للتنظيم، وهو من خريجي المعهد العلمي في صنعاء، الأمر الذي قد يشي إلى أنه تحول من السلفية التقليدية إلى السلفية-الجهادية، باعتبار أن المعهد يمثل موئلاً للسلفية التقليدية.
ووفقاً لما جاء في تلك “الندوة”، يرى السلفيون-الجهاديون أن التعامل مع السفارات، يقوم على أساس “القاعدة الفقهية: (الضرر يزال)”، حيث إنهم يعدون السفارات الغربية، والأميركية منها بشكل خاص “أوكار التآمر التي تسعى جاهدة عبر هؤلاء الحكام المرتدين للقضاء على ما تبقى من الإسلام”، وذلك باعتبار أن “الملحقين العسكريين المرتبطين بقوات البر والبحر والجو موجودون في هذه المراكز للتخطيط ومنشغلون بتعزيز قواعدهم العسكرية في أرض المسلمين”.
وكذلك يرى الكندي وأبو الزبير أن هذه السفارات “تستخدم كمثيلتها من المؤسسات لنشر الانحطاط الأخلاقي لتحرير النساء كما يزعمون”، و”هي التي تقتل ذرارينا تحت غطاء تنظيم الأسرة”، وهي أيضاً: “التي تعطي اللجوء السياسي للذين يسيئون إلى الإسلام ويسبون الله ورسوله”، وهي “متورطة مع الزعماء الموالين في اعتقال مئات المسلمين واغتيالهم، وتنشر الفسوق والفجور كالخمر والمخدرات والدعارة واللواط والسحاق في أوساط المجتمعات المسلمة، وتعمل من أجل الدعوة إلى النصرانية في جميع بلدان المسلمين، وتحمي المنصرين الصليبيين قانونياً وإدارياً وإقتصادياً لكي يرتد المسلمون عن دينهم ويعتنقوا النصرانية، بل وتقدم هذه السفارات المساعدات الضخمة والتي تصل إلى بلايين الدولارات لنشر الفرق المخالفة للإسلام كالإسماعيلية والإثنا عشرية والبهرة والصوفية والماسونية وغيرها، لذا لا شك أن هذه المواقع أوكار للتآمر وليست مجرد سفارات أجنبية، إنها حقاً قواعد عسكرية وفكرية للحرب على بلداننا”.
وعلى ذلك ووفقاً لهذا فإنه لا ينبطق على العاملين في تلك السفارات “صفة المستأمن”، وهذا يندرج أيضاً على المسلمين الذين يعملون في تلك السفارات بأي صفة كانت، وباعتبار أن السلفيين-الجهاديين لا يعترفون بـ “أهلية من أعطى العهد”، ويرون بـ “كفر القانون الدولي”، فإن الحرب ضد تلك السفارات مشروعة بنظرهم. وبالتالي، يلاحظ أن خطاب القاعدة يقوم بدمج الشرعي بالحديث العام عن أدوار السفارات “الغامض” و”المشبوه”، وفقاً لمنطق “السرد”، الذي يستثير حمية شبان ويسهل استقطابهم لتنفيذ عملية كتلك التي حاول منفذها استهداف السفير البريطاني في اليمن.
المصدر: الغد