الزائر لأربيل عاصمة كردستان العراق، يشعر أنه، وفي ظل الأخبار الواردة من العراق، يشعر وكأن هذا الإقليم ليس على تخوم العراق وجزءا منه. وفيما عدا مخيمات النازحين على أطراف المدينة، والإقليم ككل، وبعض الدخان المنبعث من تفجيرات ومواجهات في الموصل، أو في محافظة صلاح الدين، فإن الحياة في الداخل في أربيل طبيعية، لا يشوبها سوى القلق من التداعيات الاقتصادية للتوتر في العراق، خاصة أن القوات الكردية «البشمركة»، سيطرت على مناطق بعد انسحاب القوات العراقية، ومنها مناطق تعرف بـ «المتنازع عليها»، ككركوك الغنية بالنفط مثلاً. على ذلك، يلاحظ المرء في إقليم كردستان، عبر النمو الاقتصادي، والأمن النسبي، أن حالة الاستقلال الواقعي، كما يسميها أهل القانون الدولي أو De Facto، بطبيعة الحال هناك، وقد دعا رئيس الإقليم مسعود بارازاني، أو «كاكا مسعود»، كما يصفه الأكراد تحببا، إلى تشريع قانون لتأسيس هيئة لتنظيم عملية استفتاء تجرى في المناطق المتنازع عليها أولا ومن ثم للإقليم، ورغم التحفظ الإيراني والتركي، حتى الأميركي، ولكن يبدو أن الأكراد يسعون في هذا الطريق عبر تأمين قبول من المجتمع الدولي، وضمانات منه، وهو الأمر الأساسي في ظل أن الأكراد يعيشون موزعين على عدة دول، مما يعني أنهم في قلب صراع إقليمي محتمل.
لكن الأهم من وجود هذا الشعور الواقعي بـ «الانفصال»، أو «الاستقلال»، ومن الخطوات الإجرائية في هذا الاتجاه، وجود شعور متزايد بأن تقسيم العراق إلى أقاليم موزعة بين الشيعة، والسنة، والأكراد، هو حل سياسي للأزمة في العراق، فرغم وجود أصوات عدة تحذر من تقسيم العراق، إلا أن كثيرين من الفرقاء السياسيين هناك أبدوا قبولهم لحل سياسي قائم على أساس الأقاليم، والأهم من هذا كله، فإن المثال الكردي، بنموه الاقتصادي، والأمن فيه يستدعى كنموذج دوماً.
الإشكاليات التي ترتبط بمثل هذا الحل كثيرة ومتعددة، منها مثلاً مسألة توزيع النفط الذي سيتركز في الجنوب الشيعي، ويبقي السنة بمدخل وحيد إلى سوريا والأردن، وبالتالي فإن الشريط الذي أسسه «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» الممتد من الأنبار إلى حلب، يجعل من سيطرة هذه التنظيم على مثل هذه الإقليم مسألة حقيقية تستدعي النظر. وأيضاً هناك إشكاليات ترتبط بـ «المناطق المتنازع عليها»، ومنها الغنية بالنفط ككركوك، كما أشرنا من قبل، وهذه المناطق في معظمها مختلطة الهوية، مما يجعل منها مصدر نزاع محتمل في المستقبل، وهي التي كان يجب أن تحل وفق الدستور العراقي منذ عام 2007.
وأما الإشكالية الأخرى، فقد تأخذ جانباً إقليميا، يرتبط برد فعل الأكراد في كل من إيران، وتركيا، وسوريا، وإمكانية مطالبتهم بالوطن الكردي المستقل التاريخي، وبالتالي فإن ردود الفعل الإقليمية، قد تكون مصدر صراع محتمل، ولكن بعيداً عن كل هذا، يبدو أن إقليم كردستان في طريقه لتأسيس دولة مستقلة، بخطوات ثابتة، وعقلانية، مدفوعة بالفشل السياسي والأمني الذي يشهده العراق.
المصدر: العرب