لعل قلة يعرفون أن التوتر المتصاعد منذ أشهر غربي العراق في المناطق السنية لا يرتبط فقط بمجموعة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، بل هناك مجموعات سنية مسلحة، محتجة على أوضاعها، وعلى سياسات المركز في بغداد. لكن هذه الحقيقة، لا تنفِ حقيقة التأثير القوي والنافذ لتنظيم الدولة في تلك المناطق أخيراً، خاصة أن تلك المناطق شهدت خروج مجالس الصحوات التي كانت سبباً أساسياً في تراجع «القاعدة في بلاد الرافدين» الذي تحول لاحقا إلى «الدولة الإسلامية في العراق». نجاح مجالس الصحوات عام 2007 وما بعدها عبر أساساً عن نظرية حرمان المجموعة المسلحة من الحاضن الشعبي، ولكنها لم تنجح في مناطق أخرى لاختلاف الطبيعة الاجتماعية والسياق السياسي. ولكن غياب حل سياسي شامل يبدأ من بغداد، ويأخذ المواطنة، والإصلاح السياسي، وعدالة التوزيع بعين الاعتبار، دفع إلى عودة «تنظيم الدولة» تدريجياً ليكسب تعاطفاً بين أوساط شبان غاضبون ومحتجون. من المهم الإشارة الآن أنهم لا يمكن الحديث عن عودة «القاعدة» في العراق، فقد قطع تنظيم الدولة «شعرة معاوية» مع تنظيم القاعدة، حين انتقد متحدث باسمه الظواهري علنا في أشد خلافات الجهاديين في التاريخ المعاصر التي دخلت حد المواجهة المسلحة، لكن في سوريا. وهذا سبب آخر يفسر النشاط المتزايد لتنظيم الدولة في العراق في الآونة الأخيرة، فالتنظيم ومنذ دخوله سوريا يركز على العامل الجيوبولتيكي، أو كسب الأرض الجغرافية أكثر من المعارك ذاتها؛ ولذا لوحظ تركيزه على الشريط الممتد من الأنبار إلى ريف حلب، ودخوله في معارك مع الأكراد، والدولة التركية (بشكل أو بآخر)، وحتى مع الجيش الحر، أكثر من تمدده نحو المركز وإلى الجنوب. دخول تنظيم الدولة في صراع مفتوح مع أقرب حلفائه، أي جبهة النصرة، خاصة بعد استعداء المجموعات المسلحة الأخرى، خاصة الكبيرة منها كأحرار الشام، جعل نشاطها محصوراً في الرقة، وقد استغلت الحكومة العراقية ذلك وقصفت مواقعها الحدودية مع سوريا، كي تقطع على ما يبدو، خطوط الإمداد لها. تنظيم الدولة من خلال التركيز على ذلك الشريط، تؤمن خطوط الإمداد، وانتقال مقاتلين بين الطرفين، ولكن الآن حالة الضغط الموجودة من الداخل السوري، ومن الحكومة العراقية دفع التنظيم على ما يبدو إلى إعادة تفعيل نشاطاتها في الداخل العراق، مما يساهم في تصعيد التوتر في البلاد. وهو الأمر الذي ينذر بأن هذه التحول إن ارتبط بتغييرات على الأرض، سواء في العراق أم في سوريا، فإن هذا يعني تزايد الضغط في الداخل العراق، وتصاعد العنف فيه، لأن المخرج الوحيد، حاليا، أمام تنظيم الدولة لمأزقه في سوريا هو تصعيد جبهة العراق، خاصة أنه يمتلك فيه شبكة قوية من المناصرين، البنية اللوجستية، التي كانت تبرز في العمليات الانتحارية التي ينفذها، وهو ما يشكل تحدياً حقيقياً للحكومة العراقية سواء بالمفهوم الأمني أم المفهوم السياسي.
المصدر: العرب