قد يتفق مراقبو المجموعات الجهادية على أن الخلاف بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» -الذي بــات يسمي نفسه بالدولة الإسلامية بعد سيطرته على ثاني المدن العراقية الموصل في يونيو الماضي- وبين الخط الغالب للتيارات الجهادية، وتعبيره الأبرز «تنظيم الــقــاعــدة»، بأنه أكبر الـخـلافـات فــي تــاريــخ الجهاديين المعاصر. هذا الخلاف الــذي بدأ في سوريا، لكنه استمر أيديولوجيا في فضاءات مختلفة، ولن تستثني الصراع المسلح بين الطرفين.
غربيا، انشغل المختصون بتقييم أي الطرفين أخطر على الغرب، خاصة أن «تنظيم الدولة»، ووفقا لتقارير عدة، بات يمتلك مساحات جغرافية واسعة -تمتد بنحو 700 كلم من البلدات والقرى بين سوريا والعراق- وموارد مالية كبيرة (بعض التقارير ترى أن هناك مبالغة بها)، والأهم أن فكرة الخلافة التي أعلنها التنظيم باتت جاذبة أولا لشبان من الــدول غير العربية، وهو ما برز بتزايد أسماء الأوروبــيــين المقاتلين في الــعــراق مثلا. ثانياً باتت فكرة الخلافة التي أعلنها التنظيم جاذبة لشبان ممن كانوا أميل للقاعدة أو جبهة النصرة، وهذه حالة مثلا أحدثت جدلا كبيرا بين الأوساط الجهادية في الأردن على سبيل المثال.
بالمقابل يرى البعض أن القاعدة ما زال أقدر على تهديد الغرب لأن شبكاته، وتحالفاته مع المجموعات المحلية المسلحة في مناطق أفغانستان وباكستان قوية، كما أن كل فروعه في المغرب العربي، واليمن، وسوريا، وحتى الصومال ما زالت على بيعتها لزعيم التنظيم «أيمن الظواهري». وبالتالي يرى بعض المراقبين الغربيين أن تنظيم القاعدة ما زال يشكل التهديد الأساسي للغرب.
بعيدا عن رؤى المحللين في الغرب، فإن تنظيم الدولة يشكل حالة جديدة في المجموعات الجهادية، لكنه لا يمكن أن يكون بديلا عن القاعدة الــذي لا يــزال يمتلك ما يمكن أن يوصف بـ «الشرعية الأيديولوجية»، التي قــد تـتـراجـع مؤقتا أمـــام مفاهيم «الغلبة والـشـوكـة» لــدى تنظيم الــدولــة، لكن على المــدى البعيد قد تعاود أيديولوجية القاعدة كسب الشبان للانضمام لها.
الإشكالية التي يواجهها تنظيم الــدولــة هــو علاقته بمعظم الفصائل في سوريا وحتى المحليين -منا برز بــأحــداث ديــر الـــزور الأخــيــرة حــين فـرضـت عشائر على تنظيم الدولة التراجع- كما أن التنظيم خــارج الإطار العراقي -والسوري بدرجة أقل- لا يمكن التحرك بحرية، وبالتالي سواء تراجع التنظيم من الموصل وغيرها أمام القوات العراقية، أو حتى استمر بالسيطرة فلن يستطيع ســوى اللجوء إلــى العمليات غير التقليدية كالهجمات الانتحارية والاغتيالات.. إلخ، فلن يكن بمقدور التنظيم التوسع جغرافيا إلا إذا تولدت بيئة صراعية شبيهة بالعراق وسوريا.
بكل الأحوال يتولد السؤال الأساسي إذا ما كان سيتحول التنظيم إلى تنفيذ مثل هذه الهجمات إقليمياً ودولياً، وهــو ما يشي بأنه، في كلتا الحالتين فــإن هــذا التطور الجديد للحركات الجهادية ممثلة بتنظيم الدولة، وبقاء القاعدة تهديدا أساسيا للأمن القومي في الغرب، فإن التيار السلفي-الجهادي دخلت طورا جديدا من الصراع لكن بأشكال وأبعاد مختلفة.
المصدر: العرب