لم تكد تخلو أي صحيفة بريطانية الأسبوع الماضي، من إشارة إلى مقتل الصحافي الأميركي جيمس فولي على يد مسلحي «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» بشريط مصور مروع، حيث ظهر منفذ عملية القتل متحدثا بلكنة بريطانية دفعت رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى قطع إجازته، والعودة إلى لندن لمتابعة تطورات العراق وسوريا و «تنظيم الدولة» عن كثب حيث بات يشكل هذا التنظيم تهديداً حقيقياً للمجتمع الدولي والغرب.
يبدو أن التأخر في التعامل مع الأزمة السورية، دفع إلى ما وصل إليه الشرق الأوسط الآن بتنظيم أكثر تطرفا من تنظيم القاعدة الذي بالكاد يذكر، وحالة من التمزق الجغرافي والمذهبي، الذي ينخر بالمجتمعات، عدا عن الأزمات السياسية، والثقافية، والاقتصادية المزمنة فيها.
بعيداً عن الجانب الإنساني المأساوي لقتل صحافي بريء، فإن «تنظيم الدولة» يوجه رسالته بأنه في طريقه للتحول إلى ما يعرف بـ «الجهاد العالمي»، فهذا التنظيم، وعلى عكس «القاعدة» -بشكل عام- كان يولي أهمية أكبر لمفاهيم الصراع الداخلي، و «الغلبة» و «الشوكة»… إلخ، لكن الآن -وعبر هذه الرسالة- فإنه يسعى إلى تدويل صراعه بشكل يوسع من قدراته التجنيدية، وهو ذات الأمر الذي فعله بإعلان الخلافة.
لكن من ناحية أخرى، من الواضح أن التنظيم يقرأ المشهد الدولي بدقة، ويدرك أن الأميركيين غير راغبين في العودة إلى المنطقة عسكرياً، وبالتالي يعتمدون على الضربات الجوية، والدعم العسكري لدول المنطقة التي تحارب المجموعات المسلحة، وبالتالي فإن مثل هذا الشريط وعمليات القتل والخطف تؤدي دورها في إثارة الرعب والذعر وشغل الرأي العام العالمي بها.
حالة المواجهة هذه قد لا تقود إلى حرب عسكرية مفتوحة، ولا تدخل عسكري غربي واسع، بل ستتزايد العمليات ضد «تنظيم الدولة»، كإنزالات جوية، وضربات جوية، ولكن الإشكالية تكمن في أن هذا لن يساهم في حال المعضلة السورية، بشكل يشير إلى أن العنف فيها سيستمر سنوات طويلة، كما أن بقاء التنظيم فيها وفي العراق، بات أمرا واقعاً، وبالتالي فإن غياب قوى ضاربة على الأرض تعمل للثورة السورية، سيبقي القوة الأكبر لتنظيم الدولة.
رغم أن هذا الواقع يعني أن نحو 191 ألفا من السوريين دفعوا ثمن ثورة لم تكتمل. هذا الرقم هو آخر الإحصاءات من الأمم المتحدة، وبالإضافة إلى ضخامة الرقم، إلا أن تفصيله للكشف عن أعداد الأطفال، والنساء، والشيوخ، يجعله صادماً لكل من يتابع الصراعات المسلحة في العالم.
الأمر الأخير، وفي ظل حالة المواجهة تلك، فالمراقب للمجموعات المسلحة، يلاحظ أن تنظيم القاعدة ومجموعاته بالكاد يذكرون، وبالتالي هذه فرصة للعمل لهذا التيار بعيدا عن الضغط الإعلامي والأمني -بدرجة أقل-، فمن المؤكد أن هذا التيار تراجع أمام ثروة وقوة «تنظيم الدولة»، إلا أنه ما زال يتمتع بقدرات تنظيمية وأيديولوجية كبيرة جداً، ما يعني أن حال الفوضى والعنف مستمر في المنطقة لا محالة.
المصدر: العرب