خلص تقرير لمجلة “الإيكونومست” بأن مهربي الأنفاق في غزة، يشيرون إلى أن الحكومة المصرية لا تتساهل في تهريب ثلاث بضائع: الأسلحة، وغسالات الصحون لأن عداده يمكن أن يستخدم كصاعق للمتفجرات، والكتب.
ويرى تقرير المجلة أن منع الكتب، وخاصة الكتب الدينية، يدفع الشبان إلى الإنترنت، وبالتالي باتت المواد ذات الطابع السلفي ذات جاذبية للشبان في قطاع غزة.
ويطرح تقرير “الإيكونومست” إلى أن التيار السلفي (قاصداً التيار السلفي-الجهادي به) في غزة يتزايد نفوذه مشيراً إلى أنه سيشكل قوة جديدة في المستوى المنظور، قوة رفض جديدة لإسرائيل وللحكومات المحلية والتي يقصد بها حكومة حماس، وحكومة السلطة الوطنية في رام الله.
التيار السلفي في قطاع غزة، وخاصة الجهادي، بالفعل، يدخل طوراً جديداً، بحكم الحصار المفروض على غزة، وغياب البرنامج الوطني الفلسطيني، وغياب الأفق السياسي لحل يرضي الأطراف كلها في الصراع العربي-الإسرائيلي. المجموعات السلفية-الجهادية في القطاع، مثل “جيش الإسلام”، و”جلجلت”، و”جيش الأمة” و”جند أنصار الله”، كلها تعبر عن حال الأزمة السياسية من ناحية، حيث أن أفرادها من الأعضاء السابقين، في الفصائل العسكرية لحركة حماس، مثل “كتائب عز الدين القسام”، حيث يتخذون موقفاً رافضاً لتحول حماس “من المقاومة إلى السياسة”.
كما أن مثل هذه المجموعات، من ناحية ثانية، تعبير عن الأزمة الفكرية-الثقافية، والتي هي سياسية أيضاً، حيث أن العديد من أفراد تلك المجموعات هم من الأفراد السلفيين-التقليديين الذين كانوا رافضين للعمل السياسي عموماً، وبل كانت مواقعهم على الإنترنت تدعو إلى عدم مواجهة إسرائيل حتى “ييسر الله للأمة التمكين”.
وقد شهدت غزة منذ عام تقريباً، وفقا لمصادر عدة، عدداً من العمليات ضد إسرائيل، وتفجيرات داخل القطاع، وأيضاً مواجهات مسلحة والتي كان أشهرها مواجهة مسجد أبو النور حين قتلت حكومة حماس عدداً من السلفيين-الجهاديين وعلى رأسهم أبو النور المقدسي، عبد اللطيف موس، والذي أعلن غزة إمارة إسلامية.
وقد تحولت هذه الحادثة إلى مصدر انتقاد لحماس سواء من قبل مؤيدي حركة فتح، منتقدين القوة العارمة، أو من قبل السلفيين-الجهاديين، الذين استخدموا الحادثة لتأكيد رأيهم بـ “كفر حركة حماس”، “وعدائها للمجاهدين”…الخ، وأيضاً من خلال استخدام الحادثة لنشر الإيديولوجية السلفية-الجهادية في القطاع، حيث أن هناك صفحات كاملة خصصت لنقاش الحالة السلفية-الجهادية في غزة، مثل صفحة “منتدى غزوة الإمام الشهيد أبي النور المقدسي الإعلامية” على منتدى الفلوجة الذي يعد واحدا من أكبر المنتديات السلفية-الجهادية.
وعلى الرغم من هذا التحول المتزايد للتيار السلفي-الجهادي في قطاع غزة، فإن هذا التيار وباعتباره يحمل مزيجاً من السلفية التقليدية والنزعة الجهادية الوطنية، إن جاز التعبير، بحكم طبيعة الحالة الفلسطينية، من ناحية، وبحكم تطور التيار نفسه التاريخي، كما أشرنا أعلاه، فإنه لم يتحول بعد إلى تيار سلفي-جهادي حقيقي، ولكنه في الطريق إلى ذلك ما دامت الظروف القائمة مستمرة، ولعل الإعلان الأحد الماضي عن إحراق مجموعة من الملثمين أضرموا النار في معسكر صيفي تابع للأمم المتحدة في القطاع حيث أحرق المهاجمون الخيام ودمروا معدات أخرى، وقاموا بتقييد حارس المخيم تاركين رسالة تهديد لرئيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” جون جينج.
وفيما رجحت مصادر أن يكون العمل، من تنفيذ “متطرفين إسلاميين معارضين لمثل هذه المعسكرات التي تجمع البنين والبنات”، فإن في هذا مؤشرا أساسيا على أن القوة المعارضة المتصاعدة في القطاع هي السلفية-الجهادية، وتذكر، في الوقت ذاته، بالتطور التاريخي للتيار السلفي-الجهادي، الذي كان في أماكن عدة من العالم بدأ مع مجموعة من الشبان المتحمسين الذين يستهدفون محلات تأجير الفيديو في الثمانينيات، أو محال بيع الكحول، أو استهداف غير المسلمين، وبالتالي تطور ليصبح على ما هو عليه حالياً من حركة ممتدة، وتتنوع استهدافاته من دول، ومناطق حساسة في العالم، وسلعة أساسية كالنفط، وتسعى للسيطرة على أماكن حساسة في العالم.
ذلك يعني أن السلفيين-الجهاديين في غزة، وفي ظل الضخ الأيديولجي الكبير نحوهم، لم يبقوا مجرد حركة مترددة.