دخول حماس المعترك السياسي حوّلها من حركة مقاومة إلى حركة سياسية وبالتالي فقدت جزءاً كبيراً من إيديولوجيتها
في نيسان (إبريل) 2005، اعتدى أعضاء من حماس على فتاة فلسطينية تجلس مع خطيبها، وقد أودت الحادثة بحياة الفتاة. الاعتداء تم بهدف “الحفاظ على الحياء العام”، و”منع الاختلاط”…الخ.
حركة “حماس” استنكرت الحادث واعتبرته “تصرفاً طائشاً”. العديد من المراقبين والمختلفين مع “حماس” تحديداً، وجدوا في الحادث فرصة لانتقاد بنية الحركة الفكرية. لكن قلما لوحظ أن المجتمع السياسي في غزة بات على مفترق طرق، ويعبر عن توجهات سياسية مختلفة، خاصة في إطار الإيديولوجية الإسلامية. فالحركة، وبعد أشهر من الحادثة، فازت بالانتخابات الفلسطينية في غزة بعد أن كانت ضد هذه المشاركة. هذا الفوز أيضاً عبر عن تحول في بنية الحركة الإيديولوجية.
أفكار “الحسبة”، و”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ارتبطت عموماً بالتيار السلفي أكثر من حركة الإخوان المسلمين، أو جماعات الإسلام السياسي، التي خرجت من رحمها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
دخول حماس المعترك السياسي، حوّلها من حركة “مقاومة”، إلى حركة “سياسية”، وبالتالي فقدت جزءاً كبيراً من إيديولوجيتها المؤسسة. وهذان التحولان انعكسا، بالتالي، في بروز السلفية-الجهادية في قطاع غزة، كبديل قائم.
يدلل على حالة التشظي في بنية حركة “حماس” تصريحات أدلى بها قيادي سابق في “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس، أبو معتصم المقدسي محمود طالب، في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط، عبر البريد الالكتروني، في أيلول (سبتمبر) الماضي، يشير فيها إلى سبب تركه حماس: “نعم عملت مع كتائب القسام، وكنت أعمل في الوحدة الخاصة، وتركت العمل بداية دخول حماس في الانتخابات الشركية”.
في إشارة المقدسي إلى “شركية” الانتخابات، ما يدلل على تأثير دخول حماس في الانتخابات على البنية الايديولوجية للحركة، وفي هجرة العناصر نحو حركات تعبر عن “المقاومة المسلحة”.
وباعتبار أن أمام “حماس” عدة استحقاقات تبدأ من “المصالحة الوطنية”، مع فتح، واستحقاقات التفاوض وحل الدولتين، أو أي حل، وموقف حماس منه، وأيضاً استحقاق علاقة حماس بالإخوان المسلمين، ومكاتبها في الخارج. وكل هذه الاستحقاقات تتداخل. وبالتالي فإن مراقب هذه التحولات، وبغض النظر عن مواقف الدول الاقليمية من حماس، وموقف فتح أيضاً، وقد لا يتفق كاتب السطور مع كليهما، فإنها تؤشر على أن حماس ستتوزع إلى ثلاثة اتجاهات أو تيارات أساسية.
الخط الأول يحيل الحركة إلى حركة محلية فلسطينية، ستلبي الاستحقاقات السياسية، بشكل أو بآخر، من جهود التصالح والتفاوض كل على حده، وهذا يمثله سياسيو الحركة. وخط آخر سيحاول التمسك بحماس كحركة مقاومة مسلحة، لكن في ظل غياب المظلة السياسية، وبحكم الانخراط في العمل السياسي، فإن هذا الخط سيتوزع ما بين الخط الأول، السياسي، وما بين الخط الثالث، وهو الخط الذي سيكون أقرب للتيارات السلفية-الجهادية، كما بدأ يتمخض في المجموعات المختلفة منها في قطاع غزة، وعلى سبيل المثال، يلاحظ القارئ للمنتديات السلفية-الجهادية الاهتمام المتزايد فيها بشأن غزة وحماس، وكيف يقدم التيار نفسه بديلاً.