ثلاثة تحولات كبرى في تنظيمات السلفية الجهادية
** نشر هذا المقال في دورية (اتجاهات الأحداث) الصادرة عن مركز المستقبل، العدد الأول، أغسطس 2014.
لا يعد الخلاف الشديد الذي وصل مرحلة الصدام المسلح بين “جبهة النصرة لأهل الشام” التابعة لتنظيم القاعدة، و”تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” الأكبر في تاريخ الجهاديين المعاصر فقط، لكنه يعبّر بشكل جليّ عن تغير في بنية التنظيمات الجهادية، والتي كان التعبير الأبرز عنها خلال العقدين الفائتين تنظيم القاعدة.
ولعل هذا الخلاف هو أحد مظاهر التحوّل الذي يتم حالياً لما يمكن أن يوصف بأنه “مرحلة ما بعد القاعدة”، والذي بدأت إرهاصاته مع التحولات التي عصفت بالمنطقة منذ اندلاع “الثورات” العربية في عام 2011، والتي وإن استطاعت خلالها مجموعات شبابية تغيير عدة أنظمة عربية قوية، إلا أنها أسفرت بشكل سريع عن صعود لافت في البداية للتيارات “الإسلامية”، وفي القلب منها بروز نماذج جهادية بلغت تطرفاً مفرطاً، لاسيما بعد فشل تجربة “الإسلاميين” في الحكم.
ولم تكن الأحداث التي شهدتها المنطقة مع بداية هذه الفترة بعيدة تماماً عن تحول عرفه فكر تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن في مايو عام 2011، فقد أدى ذلك الحادث إلى تحوّل تفكير التنظيم مع أيمن الظواهري إلى التركيز على “العدو القريب”، وهو ما يتماشى مع تطورات المنطقة العربية من جانب، ومع اقتناع الظواهري بأولوية قتال “العدو القريب” على “العدو البعيد” من جانب آخر.
إن تحول استراتيجيات تنظيم القاعدة، إلى جانب اتجاه الأمور في المنطقة العربية صوب مزيد من العنف والتطرف، وتطورات الثورة السورية وتحولها إلى حرب أهلية وطائفية بالمنطقة… كلها عوامل أدت إلى حدوث تطور فارق في تحولات بنيوية في فكر وهيكلية التيار السلفي ـ الجهادي، ربما يكون الأبرز من تلك التحولات التي حدثت في بنية هذه التيارات وفي بنية الإرهاب عالمياً بعد سنوات من المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.
وفقاً لذلك تناقش هذه الورقة ثلاثة تغيرات أساسية تشكل “التكوين الجديد”، إن جاز الوصف، لحقبة جديدة لتيار السلفية الجهادية، يجوز وصفها بمرحلة “ما بعد القاعدة”، دون أن يعني هذا أن القاعدة انتهت، بل ما زالت جزءاً أساسياً من التيار الجهادي في المنطقة وخارجها. وتقوم هذه التغيرات الثلاثة على المستوى الأيديولوجي، والمستوى الجغرافي، والمستوى البنيوي.
أولاً: الأيديولوجيا.. تيارات أكثر راديكالية!
شكّلت “الثورات” العربية مفاجأة للتيار السلفي، شأنه في ذلك شأن معظم الحركات السياسية الاجتماعية العربية، دفعت التيار إلى إعادة التفكير في علاقته مع الشعوب على مستوى القواعد؛ فقد سعت قيادات التيار السلفي إلى محاولة كسب العقول والقلوب، وعدم الدخول في مواجهات مع عامة الشعب.
وقد انعكس ذلك على سياسة واستراتيجية التيار السلفي– الجهادي أيضاً، وتعبيره الأبرز تنظيم القاعدة، خاصة مع تفاقم الأزمة في غير دولة عربية؛ فتعمد السلفيون الجهاديون عدم الدخول في مواجهات مع السكان المحليين في المناطق التي ينشطون فيها، وبرز تفسير جديد أقل حدة لجانب قتل المدنيين والمخالفين، بل وتم الحد من الشروط اللازمة لـ “تكفير” البعض، وانتقال القيادة إلى سلفيين داخل مناطق محلية، فضلاً عن التواصل والانفتاح على التيارات الإسلامية الأخرى، وكلها تغيرات مفاهيمية وسلوكية وفقهية لم تكن حاضرة من قبل في فكر تنظيم القاعدة أو سائر تيارات السلفية– الجهادية من قبل.
لكن هذا التحول لم يُكتَب له أن يكتمل مع تصاعد العنف الدموي في سوريا، وتحولها لأرض جاذبة لتيارات مختلفة من المجموعات السياسية والمسلحة على حد سواء، فبرزت “جبهة النصرة لأهل الشام” في سوريا أولاً، ثم ظهر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)”، وكلاهما كان يمثل وقت ظهوره تعبيراً عن فكر القاعدة، حتى وقع الخلاف بينهما، والذي كشف عن تحول أساسي في طبيعة التيار السلفي ـ الجهادي.
وهذا الخلاف يعتبر الأكثر حدة بين الجهاديين في تاريخهم المعاصر، أخذاً في الاعتبار أن التنافس بين هذه التيارات يغلب كثيراً على التعاون فيما بينها، لأنه وصل درجة الاقتتال والصدام المسلح. وهو خلاف كان قد بدأ عندما تحفظ “أبو محمد الجولاني” المسؤول العام لـ “جبهة النصرة”، أكبر المجموعات الجهادية في سوريا، على إعلان “أبو بكر البغدادي” أمير تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” بأن “جبهة النصرة” تعد فرعاً لتنظيمه في سوريا، حيث دعا البغدادي إلى دمج اسم المجموعتين تحت راية “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، لكن الجولاني لم يستجب لإعلان البغدادي، معلناً مبايعته لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وربط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة المركزي، وذلك بعد جدل إعلامي طويل دار حول ما إذا كانت جبهة النصرة لها علاقة بالتنظيم أم لا.
وبالرغم من أن الجولاني كشف أن تنظيم القاعدة في العراق يقف خلف إنشاء جبهة النصرة، فإن خلاف الطرفين ارتبط بمسألة إعلان الدولة من عدمه، وتفاقم الأمر وزاد الانقسام لدرجة اتهام “داعش” لزعيم تنظيم القاعدة بـ “الإفراط”، فضلاً عن إعلان الظواهري في مطلع عام 2014 عن قطع علاقة القاعدة بـ “داعش”، ثم أخذ الصراع بين الطرفين طابعاً مسلحاً مفتوحاً منذ هذا الوقت، لتبرز مدرستان داخل التيار السلفي ـ الجهادي تتعارضان في المصالح والرؤى الجيوبولتيكية؛ ما أفضى إلى تحالف جبهة النصرة التي امتثلت لأوامر الظواهري مع المجموعات الجهادية المحلية في سوريا، ووضع ذلك “داعش” تحت ضغط كبير اضطرها إلى اتخاذ منحى مختلف وأكثر راديكالية عن سائر مجموعات التيار السلفي ـ الجهادي.
وقد أدى ذلك الخلاف سريعاً إلى بروز جيل جهادي أكثر راديكالية من القاعدة ذاتها، وإن كان البعض يذهب إلى أن تنظيم “داعش” بكل ما يحمله من عنف ورؤية أيديولوجية متشددة قد يكون تعبيراً عن مرحلة عنيفة بطبعها، في ظل ما تشهده من حالة انقسام طائفي واستقطاب شديد في شتى الجوانب داخل الدولة.
وبغض الطرف عن أي من هذين التأويلين السابقين هو الأقدر على تفسير نموذج “داعش” الجهادي الأكثر تطرفاً، فالحاصل أن الجهاديين باتوا أمام مفترق طرق بين إعادة إنتاج القاعدة بشكل جديد أكثر اندماجاً مع البيئات المحلية، وبين نموذج يقوم على فكرة “الغلبة” والقوة! وهذا ما يثير جدلاً حول أيهما يتفوق على الآخر في ناحية تجنيد المجموعات المسلحة، وهل يتم ذلك وفق حجم التمويل أم بناءً على الأيديولوجية، حيث تشير العديد من الدراسات إلى أن الاتجاه لدى الأفراد الراغبين في الانضمام لمجموعات مسلحة ما، يرتبط بالإضافة إلى الجانب الأيديولوجي، بقدرة تلك المجموعات على توفير التمويل لهم للمشاركة في القتال.
وقد بدا هذا واضحاً مع توسع “داعش” في مساحات جغرافية واسعة في العراق، بما فيها الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، في شهر يونيو 2014، إذ أشارت تقارير إلى أن التنظيم نهب ما يزيد على أربعمائة مليون دولار أمريكي من البنوك، وهذا ما يجعله “أغنى المنظمات الإرهابية في العالم”، ويزيد من قدراته التجنيدية وجذب الشبان وتنفيذ العمليات. أما الأيديولوجيا فهو يعبر عن نمط جديد أكثر راديكالية يؤمن بفقه التغلب والقوة، ويركز على “العدو القريب”، أكثر من “العدو البعيد”.
ثانياً: الجغرافيا .. من المركز إلى الأطراف
دفعت طبيعة الحملة القاسية التي شنّها النظام السوري على المدنيين باتجاه تنامي المجموعات المتشددة فيها، حتى باتت سوريا تستقطب شباناً جهاديين من كل أنحاء العالم، وباتت سوريا وحدودها مع العراق مركزاً للتدريب ونسج العلاقات وتكوين المجموعات الجهادية. وبالمقابل أدى تلكؤ المجتمع الدولي في حل الأزمة السورية إلى جعل سوريا كذلك تلعب دور “محرقة الجهاديين”، سواءً أكان ذلك مقصوداً أم لا!
وتظهر حالة المجموعات الجهادية اليوم أن كثيراً من الدول مستفيدة من وجودهم في سوريا، ولذا يغضون الطرف عن إيجاد حل للأزمة السورية، لكن وفقاً لشرطين هما: ألا تتفاقم الأزمة السورية وتتنقل خارج الحدود، وألا يعود هؤلاء الجهاديون إلى بلدانهم، حيث اقترحت عدة حكومات، منها البريطانية، سحب الجوازات منهم.
بناءً على هذه المعادلة المركبة تغير الحيز الجغرافي الذي تدور فيه العمليات الجهادية والهجمات الإرهابية، فإذا ما تم رصد الهجمات التي نفذها السلفيون الجهاديون، وتم تقسيمها حسب المكان المستهدف بعد 11 سبتمبر 2001، فسوف يلاحظ أنه حتى عام 2008 كانت العمليات تستهدف الغرب وحلفائه (بالي 2002، جربا 2003، الدار البيضاء 2003، مدريد 2004، لندن 2005، عمان 2005…الخ)، مع بقاء العراق مسرحاً أساسياً أيضاً للجهاديين خلال تلك الفترة. أما بعد هذا العام، فقد عمد الجهاديون إلى فتح ملاذات آمنة في اليمن، والصومال، والعراق، والمنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، وباتت هذه الملاذات الآمنة تفرز أعضاءً من القاعدة ينفذون هجماتهم، أو يحاولون تنفيذها، وتجند جهاديين محتملين في الغرب (النيجيري عمر الفاروق، فيصل شاهزادة، خلية الطابعات، نضال مالك حسن)، حيث يلاحظ أن الهجمات كانت تستهدف إلى حد كبير الغرب والشرق الأوسط.
ومع منتصف عام 2011 تقريباً أضحت سوريا منطقة الجذب الرئيسية (أي المركز) للجهاديين، وانتقلت العمليات كذلك إلى الأطراف مثل مالي في البداية، والهجوم على السوق التجاري “ويست جيت” في كينيا من قبل حركة الشباب الصومالية، ثم جماعة “بوكو حرام” النيجيرية التي تنفذ عمليات بشكل متكرر، آخرها خطف طالبات المدارس والنساء.
ولا ريب في أن طبيعة الظرف السياسي في منطقة الشرق الأوسط جعلت من الحالة السورية نموذجاً وحالةً فريدة في تاريخ الجهاديين، فهي- وعلى عكس الحالتين الأفغانية والعراقية، وكذلك من حالات أقل شهرة مثل طاجيكستان والبوسنة، والشيشان- حالة لا يتم فيها قتال “العدو البعيد”، فالجهاديون في سوريا يقاتلون “عدواً قريباً”، أي نظام الحكم، لتكون هي المرة الأولى التي ينخرط فيها الجهاديون على اختلاف تنظيماتهم ومشاربهم، بهذا الشكل، في أزمة كبرى، وهو ما أحدث، ولايزال، تأثيراً في البنية الفكرية للتيار السلفي ـ الجهادي العام، انتقل مع “داعش” إلى المستوى الحركي متمثلاً في السيطرة على الأراضي ومحاولة إيجاد كيانات على الأرض محكومة بأفكار “داعش” الراديكالية، وهو تغير ربما يمثل رافداً أساسياً لتغيرات أخرى في بقية التيارات الجهادية الكبرى، بحيث يكون الحيز الجغرافي إطاراً مستجداً في تخطيط وفكر وممارسات هذه التيارات، وإن كان ذلك يتوقف على ما سوف تتمخض عنه الأوضاع في سوريا والصراع الذي يدور مع “داعش” وحلفائه بالعراق.
ثالثاً: البنية.. تنظيمات الجهاد المحلي
سيطر الجهاديون على مشهد المجموعات المسلحة والظاهرة الإرهابية منذ هجمات 11 سبتمبر، وساعدت الحرب الأمريكية على “الإرهاب”، والتي انخرط فيها المجتمع الدولي، في ربط أي حركة مسلحة في العالم الإسلامي بالقاعدة والمجموعات المرتبطة بها، وبرزت التيارات الجهادية كتنظيمات مكتملة الأركان وذات هياكل واضحة في غالبها. لكن عرفت الفترة الأخيرة تحولات في بنية التيارات الجهادية، وإن كانت لم تحسم بعد، فقد كشفت الأزمة السورية وحركات الاحتجاج المسلح من العشائر السنية في العراق منذ يناير 2014، والخلايا الصغيرة والأفراد الذين يرتكبون حوادث عنف في مصر، عن ظاهرة جديدة هي تزايد حركات الاحتجاج السني من غير القاعدة ومن غير السلفيين الجهاديين، بعضها لا ينضوي بالضرورة تحت مظلة التيار السلفي ـ الجهادي، وتعد سوريا هي الساحة الأساسية لرسم معالم مثل هذه الجماعات، فقد باتت بحكم الأزمة المستمرة مسرحاً عريضاً لمجموعات مسلحة مختلفة تتنوع حسب أيديولوجياتها وتكتيكاتها المتبعة.
وقد لعب العنف المستخدم من قبل النظام السوري بطبيعة الحال الدور الأساسي في إنتاج مجموعات مسلحة مختلفة، منها “المجموعات الجهادية المحلية”، التي تتبنى المقولات الأساسية للسلفيين الجهاديين مثل “الولاء والبراء” وألوية الجهاد…إلخ، ومثل مجموعات أحرار الشام، وكتائب التوحيد، وصقور الشام، والتي تصر على أن هدفها الأساسي هو إسقاط نظام بشار الأسد. وتلتزم هذه المجموعات بطابعها المحلي، إذ لا تنفذ عمليات انتحارية مثلاً، كما أن تكتيكاتها قريبة من الجيش السوري الحر. هذا بالطبع إلى جانب المجموعات الجهادية العالمية والإقليمية الأقرب للقاعدة وتنظيم “داعش”.
ويلاحظ أن علاقة الجهاديين المحليين المتأرجحة بين الجيش السوري الحر وبين المجموعات الجهادية الأقرب للقاعدة، تشهد نوعاً من الجذب والشد باتجاهين، فبالرغم من أن هذه المجموعات حاولت ربط نفسها بالمجموعات الجهادية العالمية عبر منتدياتها الإلكترونية، فإنه مع تزايد الصراع بين الجهاديين، وتحديداً بين “داعش” وغيرها، أبعدت هذه المجموعات نفسها عن هذا الصراع، لكن جبهة النصرة قامت في المقابل بنسج تحالفات مع بعض المجموعات المحلية، وهو ما يطرح التساؤل حول هل يتبنى المحليون الجهاد العالمي، أو يندمج الجهاديون الخارجيون في تيارات الجهاد المحلي؟
تدل بعض المؤشرات حتى الآن على قبول الجهاديين “المحليين” بعض أطروحات الجهاد العالمي، كما يتضح من خلال تزايد مشاركة السوريين في العمليات الانتحارية، وهو ما كان مرفوضاً في البداية، حيث كانت مثل هذه العمليات مقتصرة على المقاتلين الأجانب(9).
وهنا تجب الإشارة إلى أن المجموعات المسلحة الجهادية المحلية في سوريا، والتي لم تحظ برصد كاف لأيديولوجيتها ولسلوكياتها، هي أقرب للمجموعات السلفية الوسطية، التي تدمج مجموعة من المقولات السلفية مع مفاهيم الإسلام السياسي، وبعض المقولات الجهادية بطبيعة الحال. وقد عمدت تلك المجموعات إلى تأسيس “الجبهة الإسلامية لتحرير سوريا”، لتوحد جهودها، وهو ما يُبقِي احتمال بروز تلك المجموعات كبنية جديدة مستقلة تعبر عن “الجهاد المحلي”.
ولا ينتشر نمط الجهاد المحلي في سوريا فقط، بل في ليبيا واليمن أيضاً، حيث توجد مجموعات جهادية مسلحة ذات طابع محلي، لا ترتبط بالتيار السلفي ـ الجهادي العام، وبالتالي قد تشكل تلك المجموعات نمطاً جديداً في الحركات السلفية ـ الجهادية، فهي وإن تبنت المقولات الجهادية الأساسية، إلا أنها لا تنضوي تحت مظلتها.
وربما يسعى بعض تلك المجموعات الجديدة إلى تقديم نوع من “أوراق الاعتماد” للتيار السلفي ـ الجهادي العام، أي يتوقف ذلك على مدى قبولها لاستراتيجيات كل من القاعدة و”داعش”، فيما قد يعمد البعض الآخر من هذه المجموعات المحلية إلى إعادة الاعتبار لتيار “السلفية الحركية”، وهما احتمالان يرتبطان كذلك بغلبة الموارد أو غلبة الأيديولوجيا باعتبارهما من أكثر محددات إعادة تشكل التيار السلفي في هذه المرحلة.
خاتمة
مما سبق يلاحظ أن مجموعة من التغييرات تحدد حركة التيار الجهادي في العالم، أبرزها أن التيار بات مقسماً على أساس أيدولوجيا متشددة، وأخرى أكثر تشدداً، تقوم على أساس الصراع بين الموارد والأيديولوجيا، واللذين يعدان من العوامل الحاسمة في جذب مجندين جدد من ناحية، وفي تحديد وجهة المجموعات الصاعدة من الجهاديين المحليين من ناحية أخرى.
وعلى المستوى الجغرافي، يبدو أن الصراع ضد “العدو القريب” ارتفعت أولويته، مقارنة بالصراع ضد “العدو البعيد”، ويرتبط ذلك بطبيعة الأوضاع في الشرق الأوسط عموماً، وفي سوريا خصوصاً، ما يجعل من الصراع السوري حاسماً في تحديد اتجاهات المجموعات الجهادية، إذ على الرغم من توقع تركيز المجموعات الجهادية على الداخل، فإن الطبيعة الأيديولوجية لتلك المجموعات لا تستبعد التحوّل ضد “العدو البعيد” في أي وقت، وهو ما ستتبدى ملامحه بحسم الجهاديين الصراع القائم في داخله بين الموارد والشرعية الأيديولوجية.
وبين هذا وذاك يلاحظ تزايد النزعة الراديكالية، حيث إن تنظيماً متشدداً كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بات يجد تنظيم القاعدة “مفرطاً”، و”متهاوناً”، بشكل يؤشر إلى سهولة توالد الفكر الأكثر تطرفاً وتشدداً من بعضه البعض.