لطالما شجب مؤيدو روسيا، وقبله الاتحاد السوفيتي السابق أي انتقاد للدب الأحمر لاعتبارين أساسيين بنظرهم، الأول أن موسكو تقف دوما القضايا العربية، وبالأخص القضية الفلسطينية، وثاني الاعتبارين أن روسيا تشكل قطباً موازياً للولايات المتحدة الأميركية ولهيمنتها، وتفردها في النظام الدولي حسب رأيهم.
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية في غزة، توالت الإدانات لها حتى أنها أحرجت أقرب حلفاء إسرائيل، الذين حتى أيدوا الحملة العسكرية، وجــدوا أنفسهم مجبرين بعدم قبول الكلفة الإنسانية المتزايدة في القطاع والتي قد تمتد إلى الضفة الغربية.
وطبعاً هذا يأتي في ظل تراجع الموقف الأخلاقي لإسرائيل فـي الــغــرب، وهــو مـا يمكن ملاحظته فـي لندن مثلا، حيث أعيش، من خلال المظاهرات المنددة بسياسات إسرائيل، وطبيعة المشاركين فيها، ومن ثم أيضا طبيعة التغطية الصحفية لمعظم وسائل الإعلام الرئيسية. وهذا بالمناسبة، أمر ملحوظ منذ حرب 2009-2008 في غزة وعلى العكس من كثير من المسلمات السطحية المنتشرة في كثير من الدول العربية عن الغرب. بعض الباحثين يرون أن هذا موقف إسرائيل الأخلاقي بدأ بالتراجع في الغرب منذ حرب لبنان عام 1982. شخصيا أرى السنوات الأخيرة أكثر بروزاً في هذا الشأن.
في ظل ما يجري في غــزة، وفي ظل تزايد الموقف الإدانــي في الغرب، والعالم، كانت روسيا شبه غائبة عن حرب غزة، رغم أنها تقدم نفسها، منذ سنوات كبديل للراعي الأميركي للسلام. السؤال الأساسي موجه أيضاً لمؤيدي روسيا في المنطقة العربية، الذين لم يكفوا عن بث الصداع حول موقف روسيا «الداعم للقضايا العربية».
متابعو الشأن الــروســي. وسياسات الكريملين، يدركون أن روسيا تنظر للشرق الأوسط كساحة نفوذ ومدخل للمياه الدافئة، وهو ما يفسر الدعم الكبير الذي قدمته موسكو لبشار الأسد في سوريا، رغم الكثير من الحديث من مؤيدي روسيا في المنطقة العربية بأن هذا دعم «للصمود».
حــالــة الــرفــض للسياسات الأميركية فــي العالم العربي مفهومة. لكن أن تقدم روسيا باعتبارها بالشكل المذكور أعلاه ففيه الكثير من التعسف وعدم الدقة، ولعل الموقف (اللاموقف بالأحرى) من غزة اليوم إذا ما قورن بالموقف من سوريا، يظهر أن السياسة الروسية تجاه المنطقة لا تغدو سياسة مثل أي سياسة وليس «نصرة للقضايا العربية».
أجـل روسيا مشغولة بالأزمة الأوكرانية، أو بشكل أدق في دعــم المجموعات المسلحة هناك، في نقيض من موقفها من سوريا مرة أخــرى، لكن حتى الولايات المتحدة مشغولة بعلاقتها بالصين وأميركا اللاتينية أيضاً، ولعل متابعو الشأن الشيشاني يستذكرون الحربين الضاريتين اللتين شنتهما روسيا ، ليعقدوا مقارنات مع حــروب أخــرى ليعرفوا حجم الدمار الذي سببته روسيا مقارنة بالولايات المتحدة، التي تعد حرباها في العراق وأفغانستان، مؤشراً على التدمير أيضا، لكن ليس بحجم الآلـة العسكرية الروسية في الشيشان، ولا بحجم دعم تلك الدولة في سوريا.
ليس في هذا تبريراً للسياسات الأميركية أو تفضيلها بأي شكل من الأشكال، لكن للتأكيد على أن أسطوانة «روسيا نصيرة القضايا العربية» و«بديل للغطرسة الأميركية» باتت أسطوانة مشروخة، لكن الكثير لا يريد الاعتراف بذلك لأنه لا يخدم رؤاه السياسية.
المصدر: العرب