كنت في العاصمة الأردنية عمان الأسبوع الماضي، حيث ترافقت زيارتي مع تواتر التقارير عن سيطرة مسلحي «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» على مدينة الرطبة على الحدود، وعلى مناطق حدودية. هذا التوسع لـ «تنظيم الدولة»، أثار نوعاً من القلق في الشارع الأردني، ولكن على المستوى الشعبي، أما على المستوى الشعبي فكانت الإشارات إلى استعداد القوات المسلحة الأردنية على الحدود العراقية-الأردنية.
لوحظ أن الناس في الشارع أبدوا تخوفات من احتمالات تقدم التنظيم نحو الحدود، لكن معظم المتابعين لشؤون التنظيم استبعدوا مثل هذا التحرك، لأسباب عدة أهمها أن الطبيعة بين البلدين صحراوية مكشوفة، مما يجعل التنظيم على مرمى أي ضربات جوية، وأيضاً أن التنظيم منخرط في معركة كبيرة بين العراق وسوريا تعبر عن تركيزه على مساحات جغرافية.
لكن من الجدير الإشارة إليه أن التنظيم ومنذ بدايات تأسيسه، وقبل تغير اسمه الحالي، كانت علاقته بالدولة الأردنية تتسم بالعداء، منذ أن سعى أبومصعب الزرقاوي مؤسس التنظيم شن هجمات داخل الأردن، وكانت تفجيرات الفنادق عام 2005، ذروة الصراع بين الطرفين.
كما أن التيار السلفي-الجهادي في الأردن، وبعد أن انتقدت قيادات منه، وعلى رأسها المنظر المعروف أبومحمد المقدسي تلميذه الزرقاوي، برز تيار جديد لديه، خاصة وبعد مقتل الزرقاوي عام 2006، وصف من قبل كاتب السطور، ومتخصصين آخرين بـ «الزرقاويين الجدد»، الذين يعتبرون أنفسهم ورثة تيار الزرقاوي، في تغليب القوة والتمكين، هو الأمر الذي برز جلياً لاحقاً في منظومة تفكير «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وسياساته في سوريا والعراق، عبر قتال من يصفونهم بـ «المخالفين» والسيطرة على مساحات جغرافية ذات طبيعة استراتيجية، أهمها حاليا الشريط الممتد من الأنبار في العراق إلى ريف حلب في سوريا.
كما أن حالة الانقسام بين «تنظيم الدولة» والقاعدة وممثلها الأساسي في سوريا «جبهة النصرة»، انعكست على حالة الأردن. من المعروف أن جهاديي الأردن استجابوا لفتاوى الجهاد في سوريا منذ اندلاع الأزمة هناك، وقد انقسم المتطوعون للقتال إلى سوريا بين قسمين رئيسيين أحدهما من المعروفين للأجهزة الأمنية، الذين كانوا يدخلون إلى سوريا تهريباً عبر حدود درعا لأنهم يمنعون من السفر، وبالتالي ينضم غالبيتهم إلى جبهة النصرة، بينما غير المعروفين يدخلون سوريا عبر السفر إلى تركيا، وبالتالي ينضمون إلى «تنظيم الدولة» الأكثر نفوذاً في شمال البلاد، وبالتالي فإن الجيل الجديد من جهاديي الأردن بدأ يظهر ميلاً أكبر لـ «تنظيم الدولة»، رغم أن القيادات التقليدية كالمقدسي وأبوقتادة الفلسطيني الذي حكم له بالبراءة منذ أيام في واحدة من قضيتين أبعد بسببهما من بريطانيا. ومع توتر الأوضاع جنوب الأردن في معان أشارت تقارير إلى أن مسيرة مؤيدة لتنظيم الدولة خرجت في المدينة، ولم يشارك فيها مؤيدو النصرة أو التيار التقليدي بكلمات أخرى. يبدو أن إشكالية الأردن ليست في الحدود بل بالداخل، ولو مرحلياً.
المصدر: العرب