دعيت الأسبوع الفائت من قبل مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» المعنية بدراسات الفكر السياسي الإسلامي إلى مؤتمر يعالج مسألة الخطاب الديني وإشكاليات تجديده، وذلك في مدينة مراكش المغربية. المؤتمر الذي حضره نخبة من العاملين في حقل الدراسات الإسلامية والمهتمين، أثار إشكاليات عدة ترتبط بمسائل حدود تجديد الخطاب الديني، وآلياته، والعلاقة مع الآخر، وإعادة قراءة الخطاب المقاصدي، وغيرها من القضايا الأساسية. خرجت من المؤتمر بثلاث ملاحظات أساسية، أولها ترتبط بمسألة تجديد الخطاب الديني، ومسألة التحديث التي طرحت لدى المفكرين المسلمين من بدايات القرن الماضي، وحتى قبله، ولكنها منذ ذلك الوقت كان تعبيراً عن فكر مهزوم بحكم الاستعمار، وتأخر المسلمين.. إلخ. لوحظ أن اتجاهين يتنازعان هذا الخطاب عربياً، الأول يسعى إلى تجديد الخطاب الديني الإسلامي بطرح بديل من الداخل سواء أكان سلفياً إحيائياً، على حد تعبير الباحث اللبناني المعروف رضوان السيد، أو حتى تجديداً يحاول استعارة أدوات الفكر المعتزلي والأشعري في إعمال العقل، وأما الاتجاه الثاني، فقد يطرح تجديداً من خارج المنظومة الإسلامية، مستفيداً من المقولات الأساسية في الفكر الإسلامي، وفي طبيعة تشكل الهوية لدى معظم المسلمين. أما السلفيون، فهم الأكثر جاذبية في الشارع اليوم، سواء أكانوا تقليديين، وبدرجة أكبر جهاديين، وبدرجة أقل إصلاحيين، وبالمقابل هم غائبون عن مثل هذه النقاشات، ولا يعني هذا أن السلفيين بدورهم يستمعون أو يدعون الطرف الآخر للقاءاتهم. على ذلك أول إشكالية تجديد الخطاب الديني ترتبط بعدم وجود قنوات حوار بين الفاعلين في هذه الخطاب. وأما الملاحظة الثانية فترتبط، بمسألة تنزيل الخطاب التجديدي، إن جاز وصفه بذلك، على الواقع وعلى الأرض، وتحويله إلى خطاب سياسي-اجتماعي، يصل إلى رجل الشارع العادي. إشكالية العاملين على نقد الخطاب الديني وتفكيكه، بعيدون عن الشارع، لا بل حتى الألفاظ والمفاهيم التي يستخدمونها مقعرة وفيها بعد متعالٍ، فلا يصل لرجل الشارع العادي ليتحول إلى خطاب «كفاحي»، كما يقول العاملون في الفكر، ليتحول إلى برنامج سياسي، أو حتى سياسات قابلة للتطبيق. أما الملاحظة الثالثة، وهي تنكر دوماً عند الحديث عن المشرق والمغرب عربياً، فإلى الآن ورغم الدعوات الكثيرة، لم تتم الاستفادة من التجربة المغاربية، خاصة، فيما يتعلق بالتحديث سواء على مستوى مشاركة المرأة في المجال العام، والمجتمع المدني، والعمل النقابي.. إلخ، أو حتى على مستوى البنى التحتية، خاصة على صعيد المواصلات، وتطبيقها في الواقع المشرقي. هناك ما زال الكثير لعمله في المغرب، ولكن أكثر في المشرق بهذا الصدد، ويبدو أن التعامل دوماً مع المغرب العربي كبقعة بعيدة أقرب لأوروبا لا تساهم في كثيراً في هذا التواصل.. في رحلة القطار بين مراكش والدار البيضاء، ومنظر الصحراء المتداخلة مع مزارع ومناطق ريفية أبدت تلك الطبيعة المتشابهة للبيئة، والنمط العمراني للكثير من المناطق العربية في المشرق، ولكن بقليل من التواصل المعرفي بين الطرفين.
المصدر: العرب