أعلن وزير الداخلية الباكستاني رحمان مالك منذ أيام، وفقاً لصحيفة “the News” الباكستانية، أن الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم في البلاد وافقت على شن حملة “لإعادة تطبيق القانون”، وذلك وفقاً لـ “معلومات استخباراتية” ضد الجماعات المسلحة في اقليم بلوشستان، مضيفاً أن أي حركة سياسية في بلوشستان تحمل اسم “تحرير”، “جيش/لاشكر” سيتم حظرها، والمقصود بذلك، وفقاً للصحيفة: الجيش الجمهوري لبلوشستان، وجبهة التحرير البلوشية، وجبهة تحرير بلوشستان المتحدة، وتنظيم الدفاع عن البلوش، ومجموعة “لاشكر بلوشستان”.
يأتي هذا التصريح، بعد أيام من استهداف حركة “طالبان باكستان” مسيرة شيعية في عاصمة اقليم بلوشستان “كويتا”، متسببة بمقتل وجرح العشرات، ورغم أن ذلك جاء في سياق سلسلة من الهجمات، إلا أن استهداف اقليم بلوشستان كان ملفتاً للنظر حيث إن حركة طالبان باكستان تنشط في الاقليم الشمال الغربي، وزيرستان، وأقليم البنجاب، بالتحالف مع حركات محلية في هذا الأخير.
أقليم بلوشستان، هو أكبر الأقاليم الباكستانية الأربعة، ويشكل نحو 40% من البلاد، وفيه ما يزيد على الـ 80% من الغاز الباكستاني، ومستقبلاً ستمر فيه الأنابيب الناقلة للنفط لكل من الهند والصين من الخليج، وهو الإقليم الذي ينحدر منه مخطط هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وفي عاصمة الاقليم “كويتا” تم القبض عن المنظر السلفي- الجهادي أبو مصعب السوري عام 2005، والأهم أن غالبية قاطني هذا الإقليم هم من قومية البلوش، والذين يتبنون حركة احتجاج تتراوح ما بين مطالب بالعدالة والمطالبة بالاستقلال أو الانفصال عن الدولة الباكستانية.
الاحتجاجات، والعنف، مستمر في الاقليم منذ الأربعينيات، وكذلك الرابط العرقي مع بلوش إيران، يكسب المنطقة أهمية متزايدة، ولكن لا يعرف في وسائل الإعلام عن المنطقة كثيراً. وقد تراوحت سياسات الحكومات الباكستانية المتعاقبة ما بين القمع والاقصاء مروراً بدعم المجموعات الإسلامية على حساب القومية، وصولاً إلى سياسات دعم اقتصادي، وعلى ذلك ما تزال تتراوح حالة الاقليم مكانه.
الأقليم، وعلى الرغم من أنه يعد من الأقاليم الغنية بالموارد في باكستان، إلا أن نسب الفقر فيها من الأعلى في البلاد، وهناك شكوى مستمرة لدى البلوش من “بنجبة” الدولة، أي سيطرة اقليم البنجاب على مقدرات ومناصب الدولة. الحكومة الحالية (جيلاني وزارداري) بدأت بسياسات لدعم المنطقة اقتصادياً، بعد أن كانت سياسات برويز مشرف قائمة على استخدام القوة، ولكن التصريحات أعلاه تنذر بتحول في السياسة الباكستانية تجاه الاقليم.
الملاحظة الأهم، أن الضغط الذي مارسته الحكومات المتعاقبة على الحركة القومية في بلوشستان، صب لصالح الحركات الإسلامية، وكما أن بعض الحكومات الباكستانية دعمت المجموعات الإسلامية لاضعاف الحركة القومية، فإن القرب من أفغانستان أيضاً، جعل للإيديولوجية السلفية – الجهادية مكاناً في المنطقة.
وعلى ذلك فإن هذا الإقليم ذي الأهمية الجيوبولتيكية العالية، والذي يعاني من ضعف في حركاته السياسية، وفي ظل حالة الأزمة في الدولة الباكستانية، فإنه من المتوقع أن تتزايد نشاطات الجماعات السلفية – الجهادية هناك، بشكل ينذر بتزايد الأزمة في المنطقة. فمن المهم الإشارة إلى أن باكستان تتهم الهند دوماً بأنه وراء “تحريض” المجموعات المسلحة في الإقليم، وهو أمر يتبادله الطرفان بحكم حساسية العلاقة بينهما تاريخياً، ولكن من المهم الإشارة إلى أن انتقال الاضطراب من اقليم الحزام الشمالي الغربي، ووزيرستان إلى بلوشستان بتغلغل الجماعات السلفية – الجهادية لن يكون في مصلحة باكستان، لا الهند.
أزمة الدولة الباكستانية، تتعمق يوماً بعد يوم، والإيديولوجية السلفية – الجهادية، وخاصة حركة طالبان باكستان، باتت تقدم بديلاً سواء لبعض مؤسسات الدولة، وللباحثين عن إيديولوجيات، وعن غطاء لنشاطهم السياسي أو المسلح. ولذا فإن الحديث عن تأثير الاستخبارات الباكستانية على طالبان أفغانستان والقاعدة، بات فرضية متراجعة لصالح أن الطرفين وجدا حليفاً جديداً متمثلاً في “تحريكي طالبان باكستان”.
المصدر: الغد