لعل السياسي والأديب التشيكي فاتسلاف هافل، يعد من المؤسسين لما عرف بالثورة المخملية في أوروبا الشرقية والوسطى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، والتي حررت تلك الدول من القبضة الشيوعية. وللمفارقة، فإن هافل له نص سياسي/أدبي مهم، اقتبسه فرانسيس فوكوياما في كتابه الأشهر “نهاية التاريخ”. يقول هافل، واصفاً النظام الشيوعي: إن “بائع الخضار الذي يبيع جزراً وبصلاً، وهو يعلق شعار “يا عمال العالم اتحدوا” في نافذة محله لا شأن له بالبروليتاريا”، حيث إن هذا الشعار كان يفرض من قبل الدولة الشمولية، كجزء من خلق ذلك الإنسان المتماهي بالنظام التوليتاري، أو الاستبدادي.
وفي المثال التونسي، فإن الشرطية التي أهانت الشاب محمد البوعزيزي “بائع الخضار” أيضاً، كانت تتصرف من وحي أنه إنسان متماه في النظام، ويجوز للشرطي/ الشرطية أن يهينه كما يشاء، ولكن انتفاضة “بائع الخضار” التونسي كانت ثورة على النظام الشمولي، تحولت إلى ثورة شعبية أطاحت بأحد المستبدين في العالم العربي.
نعم، الثورة لم تنجز بعد، فهو نظام قائم على منظومة أمنية ومصالح، ويبدو أن التوانسة واعون لهذا الأمر كما تُظهر الاحتجاجات المستمرة على مشاركة الحزب الحاكم في السلطة. هل بدأ ربيع التغيير في العالم العربي؟ وهل عاد اليسار مجدداً على شكل منظمات المجتمع المدني في العالم العربي؟ وبالتالي هل غاب الإسلاميون عن المشهد لصالح هؤلاء؟ خطرت ببالي هذه الأسئلة الثلاثة، على هامش الغضبة الشعبية التي قامت بها الفئات المجتمعية المختلفة في تونس؛ قتلى، وعنف، وهروب رئيس الجمهورية “السابق الآن” زين العابدين بن علي وعائلته. ولأول مرة يجبر الشعب زعيما عربيا على الهروب.
الصحافي الصافي سعيد، كتب في كتابه المهم “سيرة شبه محرمة”، والتي تصف سيرة الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، كيف أن عقده الذاتية ساهمت في تشكيل تصوره السياسي كحاكم أوحد لتونس. وهذا أمر شبيه في كثير من البلدان العربية. وبمعنى آخر فإن النمط الشمولي في الحكم يستند إلى خصائص واحدة تتمركز حول الحاكم الفرد، ولا تتفكك إلا عبر حادثة تشكل “نقطة تحول” كما فعل “بائع الخضار” البوعزيزي.
هذا التصور يذكر بديناميات الحكم الفردي والتسلطي. فالرئيس المخلوع بن علي وفي آخر خطاباته، قال للشعب أنه فهمه، وأن المحيطين به أعموا الحقائق عنه. هذه الفرضية تذكر بأسطورة “الحاكم الذي لا يعرف”،وهذا ينطبق أيضاً على بن علي، كما برز في خطابه، وأيضاً في عائلته، ولكن بشكل مختلف. فزوجته الثانية ليلى الطرابلسي، قدمها النظام كرمز للحريات المدنية وحقوق المرأة، ولكن بالمقابل استطاعت عائلتها إقامة شبكة من المصالح، بات التونسيون يشيرون إليها بـ”العائلة الطرابلسية”. ليس هذا ليلام الغرب، فالإشكالية في تلك الأنظمة، ولكن الغرب ملام بالدفاع عنها. ولكن مع ثورة الياسمين، فإن الغرب بات يدرك أن تقديم المصلحة، وتقديم الاصلاح الاقتصادي، ما هو إلا أساطير، شأنها شأن أسطورة “الحاكم الذي لا يعرف”.
المصدر: الغد